للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم لا تعط أحدًا مثل ما أعطيتني، وجاءه آخر فقال له: أعطني نصيبًا لا يصلح أن تعطيه أحدًا من بعدي، هل تستوي الكلمتان؟

كلا، فالأول طلب نصيبًا ما، ومع ذلك سأل الملك أن لا يعطي أحدًا بعده مثله. فظاهر أن مراده الفخر بأن الملك أعطاه أكثر من غيره، وهو لا يبالي مع ذلك أن يعطيه كثيرًا أو قليلاً، وإنما همه أن يكون أكثر من غيره.

والثاني طلب نصيبًا جزيلًا بحيث لا يصلح لأحد بعده أن يُعطَى مثله، ومراده أن الملك عالم بما يصلح للناس من الأعطية فطلب أن يكون عطاؤه كثيرًا جدًّا بحيث لا يمكن أن يُعطي أحدًا بعده إلا أقل منه. فهَمُّ هذا إنما هو في كثرة العطاء، ومع ذلك لا يريد من الملك أن ينقص أحدًا من الناس عن مستحقه. وبيانه بوجه آخر:

أنه لو فرض أن أعطيات الناس كانت من ألف فأقل، فإن الأول إذا أُعطي عشرةً وأُعطي غيرُه من تسعةٍ فأقل لكان قد حصل مطلوبه، وهو أن يكون أكثر من غيره، فيفتخر بذلك.

والثاني بخلافه، فإنه يقول: إن الأعطية التي تنبغي للناس من ألف فنازلًا، فأطلب أن يُعطَوا ذلك، ثم أُعطَى أكثر من نصيب الأكثر منهم.

والحاصل أن الأول أراد الافتخار، والثاني أراد الاستكثار. فسليمان عليه السلام هو من الباب الثاني، فلم يطلب من الله عزَّ وجلَّ أن لا يعطي المُلْك أحدًا من الناس أو نحو ذلك، بل عَلِمَ أن الله عزَّ وجلَّ عالم بمقادير العطايا التي سيعطيها من المُلك إلى يوم القيامة، وما ينبغي لكل أحد منه كما اقتضت حكمته وإرادته، فسأله أن يعطيه ملكًا عظيمًا كثيرًا بحيث لا ينبغي

<<  <   >  >>