للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

يا منتهى أملي لا تُدنِ لي أجلي ... ولا تعذّب ظنوني فيكَ بالظننِ

إن كان وجهكَ وجهاً صيغَ من قمرٍ ... فإنَّ قدَّك قدٌّ قُدَّ من غصن

وقوله أيضاً:

أأعذرُ قلبي وهو لي غيرُ عاذرٍ ... وأعصي غرمي وهو ما بين أضلعي

نأوا والأسى عنّي بهم غير مُنتأٍ ... وودَّعتهم والقلب غير مودعِ

فأوَّل شوقي كانَ آخر سلوتي ... وآخر صبري كان أول أدمعي

وقوله أيضاً:

إن كانتِ الألحاظُ رسل القلوبْ ... فينا فما أهونَ كيدَ الرَّقيبْ

قبَّلتُ من أهوى بعيني ولم ... يشعر بتقبيلي خدُّ الحبيبِ

لكنَّه قد فطنت عينهُ ... لسرِّ عيني فطنةَ المستريبِ

إن كان علمُ الغيبِ مستخفياً ... عنّا فعندَ اللَّحظ علمُ الغيوبِ

وقوله أيضاً:

ألا يا نسيمَ الرّيح عرِّجْ مُسلِّماً ... على ذلك الشخصِ البعيدِ المودِّع

وهُبَّ على من شفَّ جسمي بعادُهُ ... سموماً بما استمليت من نار أضلعي

فإن قال ما هذا الحرورُ فقل له: ... تنفُّس مشتاقٍ لوجهك موجَعِ

وكان أبو العباس عبد الله بن المعتز بالله رقيق حاشية اللسان، أنيق ديباجة البيان، وكان كما قال ابن المرزبان: إذا انصرف عن بديع الشعر إلى رفيع النثر، أتى بحلال السحر، وهو أبدع الناس استعارات، وأحلاهم إشارات، وليس بعد ذي الرمة أقصد منه للتشبيهات، وكان ذو الرمة يقول: "إذا قلت: كأن، فلم أجد مخرجاً فقطع الله لساني".

وسأريك قطعة من منثوره الظريف، ومنظومه الشريف: قال أحمد بن سعيد الدمشقي: كنت أؤدبه، فتحمل البلاذري على قبيحة أم المعتز بقول سألوها أن تأذن له في الدخول عليه لتأديبه وقتاً من النهار معي فأجابت أو كادت أن تجيب، فلما اتصل الخبر بي جلست في منزلي غضباً لما بلغني عنها، فكتب إلي وهو ابن ثلاث عشرة سنة يقول:

أصبحت يا بن سعيدٍ حُزتَ مكرمةً ... عنها يقصِّرُ من يحفى وينتعلُ

سربلتني حكمةً قد هذَّبت شيمي ... وأجَّجت نار ذهني فهي تشتعل

أكون إن شئت قُساً في خطابته ... أو حارثا وهو يوم الحفلِ مرتجلُ

وإن أشأْ فكزيدٍ في فرائضه ... أو مثل نعمان لما ضاقت الحيلُ

أو الخليل عروضياً أخا فطنٍ ... أو الكسائي نحوياً له عللُ

تعلو بداهة ذهني في مركَّبها ... كمثل ما عُرفتْ آبائي الأُوَلُ

وفي فمي صارمٌ ما سلَّهُ أحدٌ ... من غمدهِ فدرى ما العيش والجذلُ

عُقباك شكرٌ طويلٌ لا نفاد له=تبقى معالمهُ ما أطَّتِ الإبلُ قس الذي ذكره: هو قس بن ساعدة الإيادي، وحارث: هو الحارث بن حلزة اليشكري، ووصف ارتجاله يوم حفله في إنشاده عمرو بن هند قصيدته التي أولها:

آذنتنا ببينها أسماءُ ... رُبَّ ثاوٍ يملُّ منه الثَّواءُ

وزيد هو زيد بن ثابت الأنصاري، وغليه انتهى علم الفرائض، ونعمان هو أبو حنيفة النعمان بن ثابت رئيس أهل العراق في الفقه، والخليل بن أحمد الفرهودي منسوب إلى الفراهيد بطنٌ من اليحمد من الأزد، وعلي بن حمزة الكسائي الكوفي.

وقال ابن المعتز:

سلي بي إذا ما الحربُ ثارتْ بأهلها ... ولم يكُ فيها للجبان قرار

وعمَّ السّماءَ النقعُ حتى كأنَّه ... دخانٌ وأطرافُ الرِّماح شرارُ

ولي كلُّ خوّارِ العنان مُجرَّبٌ ... كميْتٌ عناه الجري فهو مُطارُ

كأنَّ الرياحَ الهوجَ يحملن سرجه ... إذا ابتلَّ منه محزَمٌ وعذارُ

وعضبٌ حسامُ الحد ماضٍ كأنّه ... إذا لاح في نقع الكتيبةِ نارُ

وقمصُ حديدٍ ضافيات ذيولها ... لها حدقٌ خزر العيون صغار

وقال يمدح الموفق:

إليك امتطينا العيس تنفخُ في البُرى ... وللصبحِ طرفٌ بالظَّلام كحيل

فبتنا ضيوفاً للفلاةِ، قراهمُ ... عنيقٌ ونصٌّ دائمٌ وذميلُ

يهزُّ ثيابَ العصْبِ فوق متونها ... نسيمٌ كنفث الراقيات عليلُ

ولمَّا طغى فعلُ الدعيِّ رميته=بعزمٍ يردُّ العضبَ وهو فليل

وجرِّد من أغمادهِ كلَّ مرهفٍ ... إذا ما انتضته الكفُّ كاد يسيلُ

جرى فوق متنيهِ الفرندُ كأنّما ... تنفِّس فيه القينُ وهو صقيلُ

وقال أيضاً في سيف يصفه:

<<  <   >  >>