للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

عملا أبدا! وعرف إسحق ذلك فابتاع القمرة من الصباح بخمسة آلاف درهم، ولم يلعب معه بعدها!

٢٢٠ - تقدم أعرابي فصلى بالناس فقرأ (الحمد) بفصاحة وبيان، ثم قال:

ويوسفُ إذ دلاَّه أولادُ علَّةٍ ... فأصبحَ في قعرِ الركيَّةِ ثاويا

فوثبوا إليه فصفعوه!

٢٢١ - وكان لزيد بن علي بن الحسين رضي الله عنهم ابن يخالط سفهاء المدينة، فغضب عليه وأخرجه إلى خبير، فجمع إليه مشيخة مجانا، لهم هيئة من حلق الشوارب وتوفير اللحى، واتفق أن خرج زيد إلى ماله بخبير، فلما رآهم قال لابنه: مثل هؤلاء كنت آمرك أن تعاشرن ولعمري قد أحسنت الاختيار، وسترى مني ما تحب! فأقبل الابن عليهم وقال لهم: إني أخاف أن يخرج أبي من خبير ولم يعرفكم، فقالوا له: الساعة يعرفنا! وحضرت صلاة المغرب فتقدم زيد فصلى بهم، فلما قرأ:"قل يا أيها الكافرون" قالوا: لبيك لبيك! فلما قرأ:"لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد" قالوا: صدقت صدقت جعلنا الله فداك! فلما انصرف قال لابنه: ما هؤلاء! عليك وعليهم لعنة الله، فما رأيت مثلهم قط! قال: وما أنكرت منهم؟ لقد دعوتهم فلبوك، وخبرتهم فصدقوك! ٢٢٢ أحضر النعمان بن الشقيقة صاحب الخورنق سنمار الرومي من بلاد الروم فبنى له الخورنق، فكان يبني فيه السنة والسنتين ثم يدعه زمانا لايعمل فيه شيئا، حتى يستقر البناء، ثم يبني، فأقام كذلك مدة طويلة، فلما فرغ من البناء دخله النعمان وعلا عليه فنظر إلى أحسن منظر وإلى ما اجتمع له في ذلك القصر مما لم يتهيأ له في غيره، فكان يرمي بظرفه إلى حسن الماء في بحر النجف واتساعه وأصوات الملاحين وصيد السمك، ثم يرمي بطرفه إلى الجانب الآخر فيرى رعي الإبل وصيد الظباء والأرانب والثعالب وجناة الكمأة، فسر به غاية السرور، وأعجب به أعظم العجب، فقال له سنمار متبجحا بالبراعة في صنعته وحكمته وهندست، ولاهيا عن غفلته وغلطته: إني لأعلم في هذا القصر موضع حجر لو حركته لتداعى القصر! قال: أويعرف غيرك؟ قال: لا! قال: لاجرم والله لايعرفه أحد على وجه الأرض! وأمر به فرمي من القصر، فتقطعت أعضاؤه، فقالت العرب في أمثالها:

جزاهُ، جزاهُ اللهُ شرََّ جزائهِ، ... جزاءَ سنمَّارٍ وما كانَ ذا ذنبِ

وقالَ: اقذفوا بالعلجِ من رأسِ شاهقٍ ... وذاك وبيتِ اللهِ من أعظم الخطبِ

٢٢٣ - حدثني الوزير فخر الدولة أبو نصر بن جهيز قال: كنت بجلب عند أميرها معز الدولة أبي علوان ثمال بن صلح الكلابي يوما أتحدث معه، فانجز الحديث إلى أن قلت: وصف لأمير بني عقيل المقلد بن المسيب في سني نيف وثمانين وثلاثمائة جارية مغنية ببغداد، فبذل فيها ألوف كثيرة، وأجابت مالكتها إلى بيعها، فامتنعت الجارية من الإجابة إلى البيع عليه؛ فرأيت حماد بن الندى ابن عم معز الدولة وهو جالس وهو أعور، فأمسكت ووقفت، وأردت أن أقول:"لأنه أعور"، والتفت، فقال لي معز الدولة: فلم امتنعت من الخروج إليه؟ فقلت: لأنه بلغها أنه أنجزه! واتفق أن نهض حماد، فقلت لمعز الدولة: والله أيها الأمير لقد أقلت اليوم من سوء أدب أراد أن يلفظ به لساني، وأقع فيما لا أؤثره ولا أشتهيه! فقال: وهو؟ فذكرت ذلك له، فضحك وقال: ردوا إلي حمادا، فرد، فقال له: يا حماد حدثني فلان بكذا وكذا ... فقال: أيها الأمير، أما الرجل فأحسن الله جزاءه حيث فعل ما فعل، وأما القبيح فما سمعته إلا منك، ولاواجهني به غيرك! وضحكا، وخلصت أنا من حماد.

<<  <   >  >>