للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

٢٢٤ - حدثني منصور محمد بن محمد بن عبد العزيز العكبري قال: كتب القاضي أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي رقعة إلى كمال الدولة أبي الفضل بن فسانجس بشيء فعله أبو الحسن بن عبد الرحيم النائب عن كمال الملك أبي المعالي بن عبد الرحيم أخيهن في معنى ضرب دنانير ناقصة العيار ومطالبة الناس بأخذها بدنانير الجياد، فعلة من أفعاله القباح التي كان بها معروفا وعلى أمثالها معتمدا في متصرفاته ونيابته عن أخيه، وليس قصدنا ذكر ذلك فنخرج به عما قصدناه، وإن كانت أخباره القبيحة كثيرة وظاهرة، البيانيغني عن ذكرها وسطرها، فشكاه التنوخي فيما فعله وارتكبه واستحسنه ونفث مما في صدره منه ثقة بكمال الدولة ولأنس كان بينهما، وكمال الدولة عدو بني عبد الرحيم، وأعطى الرقعة لغلام كان له أعور يدعى بأحمد، وقال له: احمل هذه الرقعة إلى كمال الدولة، فوقع في أذنه:"احمل هذه الرقعة إلى كمال الملك، فأخذها وحملها إليها، ودخل بها عليه" فحين وقف عليها علم أنها من غلطات التنوخي وحماقته وهفواته وزلاته، وكان بذلك معروفا، وقد صار منه مألوفا، فقال له: يا أحمد قد غلطت! هذه إلى كمال الدولة أبي الفضل بن فسانجس، فاحملها إليه؛ فأخذها أحمد وحملها إلى ابن فسانجس، وأخذ جوابها إلى القاضي، فلما سلمه إليه قال له: أنت أبدا لاتفهمني ما تقوله لي! قال: كيف؟ قال: قلت لي احمل الرقعة إلى كمال الملك، فلما قرأها قال لي هذه إلى كمال الدولة، فرجعت بها إليه! قال له: أو قد حملت اللاقعة إلى كمال الملك؟ قال: نعم، فلطم على رأسه ووجهه وقال: ويه ثم ويه ثم ويه! ووثب إليه فأخذ عمامته وهرب منه، فخرطها حتى لم يبق منها مصرة درهم صحيحا ...

قال أبو منصور: وجاءني لا يعقل أمره، وحدثني ذاك، فقلت له: يا قاضي! أنت سيدي ووالدي، وأنا عبدك وولدك، والله إنك فضولي، ما عليك من بني عبد الرحيم وفعلهم، وهم أولياء نعمتك ومحبوك، وأنت وليهم ومنتم إليهم ومحب لهم، وبحيث لو قيل لك: أيما أحب إليك أن تموت أنت قبل بني عبد الرحيم أو هم قبلك لاخترت سبقهم وبقاءهم بعدك، لأنهم يراعونك ويفعلون معك مالا تفعلونه مع غيرك! وقد وسموك بدار الضرب، وما تخل من ثلاثين دينارا في الشهر، وما هم إلى غيرك بالإطلاق فعل يقارب هذا الفعل، ثم أي تعلق لابن فسانجس في هذه الأمور وهو رجل قاعد في بيته، لايحلي ولايمر، ولايقضي ولا يمضي، حبابه السلامة منهم وأن يمكنه المقام في بيته معهم حتى تكاتبه بأخبارهم وأفعالهم! ثم إنك عدوه ومضمر بغضه، وأنت تصوم كل يوم ثلاثاء لما قبض عليه في يوم الثلاثاء، سرورا بمساءته وفرحا بمضرته، ولما أسلف إليك من القبح الذي يطول به الشرح!! فقال: اعلم أن بطن الأرض أحسن إليَّ من ظهرها وأصلح، فم بنا إلى المرتضى أبي القاسم نقيب النقباء؛ فقمنا وجئناه بالحديث، فقال له مثل قولي، وقال له التنوخيُّ: الشيخ أبو منصور من لا قوم وإليهم، وأسألك أن تكلفه أن يمضي إلى كمال الملك ويفاتشه في ذلك ويسأله الإقالة من هذه العثرة والإغضاء عنها وعن هذه الزلَّة! فقال له: كمال الملك يعرفك ويفهم فعلك وأنه عن غير نية قبيحة فاسدة، بل عن هفوة منك وأشياء متصلة زائدة، وهو أقل من أن يجري في ذاك قولاً أو يحدث عليه فعلاً! فقال: ما تسكن نفسي ولا يراجعني أنسي إلاَّ بعد أن أعلم من هاذ الأمر زوال ما أحذر! فالتفت المرتضى إليَّ وقال: هو ذا تسمع، وأنت أولى من انتهى إلى إرادته وتطِّف لمصلحته! فقلت: السمع والطاعة، وقمت وعبرت إلى باب المراتب، ودخلتُ على كمال الملك عصراً، فقال لي: أريد أ، آكل خبزاً، وما اتفق لي من يأكل معي، فقم بنا .. فدخلنا إلى موضع المائدة، وأكلنا، وجاءوه بما يشرب، وبدأته لما ظهرت نشوته وطابت نفسه فحدثته بحديث القاضي، فضحك وقال: قد والله ابتلي بنفسه وحمقه وخفته! ثم قال: قل له لا يقل في هذا شيئاً فيسمع أبو الحسن أخي، وليس ذاك بمأمون على المقابلة، وصدق، قال فإنه كان محسن بيت بني عبد الرحيم، يعني بذاك المحسن بن الفرات الذي كان سبباً في هلاك أبيه وأهله وذويه، قال: فرجعت إلى التنوخي بذاك فطابت نفسه، وأمسك.

٢٢٥ - حدثني أبو القاسم بن البسري البندار، وكان محدثاً عالي الإسناد، قال: أنشدني أبو القاسم بن بابك الشاعر لنفسه في التنوخي:

إذا التنوخيُّ انتشى ... وغاص ثم انتعشا

<<  <   >  >>