للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

٢٣٥ - وجلس المأمون يوماً على الشرب والحسن بن سهل معه، فقال له المأمون: لعلك تقدر أنني قتلن الفضل أخاك؟ ولا والله ما قتلته! فقال له: بلى والله لقد قتلته! فقال: والله ما قتلته، فقال بلى والله لقد قتلته! فقال: والله ما قتلته يكررها ثلاثاً فقام المأمون من مجلسه وقال: أفٍّ لك! وانصرف الحسن إلى منزله.

٢٣٦ - وحدث أبو العباس بن أبي البهلول قال: حدث المأمون قال: وصفت لي جارية بالعراق وأنا بخراسان، عاملة كاتبة لاعبة بالشطرنج والنرد، مفتنة في كل أدب، فأنفذت وابتعتها بمال كثير، وحملت إليَّ فأعجبتني وشغفت بها، واتفق في بعض الأيام أن خلوت بها ولهوت معها وجعلت الشطرنج بيني وبينها، إذ دخل الفضل بن سهل علي هاجماً ومعه غلام له، فلما رآني على ذلك أخذ قنينة كانت بين يدي وضرب بها الأرض وقال لي: أنت على هذه الحال وتنازع أخاك الخلافة، وتبلغ في التخرق والتوفر على النساء واللهو إلى هذه الغاية، ونحن ندعي لك التشاغل بالصلاة والصيام! وقال لغلامه: خذ بيد الجارية فهي لك! وورد علي من فعله ما كدت أن اجعله سبب دنو أجله، ثم كظمت غيظي وصبرت على ما لحقني.

٢٣٧ - لما قدم طاهر بن الحسين العراق أقر العباس بن موسى على الكوفة وزاده عدة طساسيج، فوجه العباس إليه كاتبه يشكره ويؤديه رسائل منه إليه، فلما دخل إليه قال له: أخيك أبي موسى يقرئك السلام! قال: ومن أنت منه؟ قال: كاتبه الذي يطعمه الخبز! فقال طاهر: أين عيسى بن عبد الرحمن الكاتب؟ فجاء، فقال: اكتب بصرف العباس ابن موسى عن الكوفة وأعمالها لتركه اتخاذ كاتب يحسن الأداء عنه!

٢٣٨ - دخل المتوكل يوماً على محمد بن عبد الملك الزيات فلما رآه قال له: يا جعفر تكون ابن أمير المؤمنين المعتصم بالله رحمه الله وأخا أمير المؤمنين الواثق بالله أطال الله بقاءه وهذا شعرك كأنك بعض المخنثين!! وأمر بإحضار مزين، وحضر، وقال خذ طرته وشعر قفاه، فألقى عليه بعض غلمان محمد منديلاً، فزجره محمد وقال: لا! إلا على ثوبه، فحكى عن المتوكل أنه كان يقول: ما بلغ مني شيء ما بلغه فعل محمدٍ في طرحه الشعر على ثوبي!

٢٣٩ - وكان محمد بن عبد الملك تشكى، فدخل عليه احمد بن أبي خالد، وهو أصم، فقال محمد: كيف أصبحت جعلت فداك؟ قال له: بشر! فلم يسمع، فقال: الحمد لله على ذلك، فمن يختلف إليك من الأطباء؟ قال: إبليس قال: مبارك رفيق، فأي شيء وصف لك؟ قال: آجر مدقوق! قال: خفيف طيب، فخذه ولا تفارفه!

٢٤٠ - وحدث محمد بن علي بن طاهر بن الحسين قال: كان أحمد بن يوسف يسقط السقطة بعد السقطة، فتلفت نفسه في بعض سقطاته، وذاك أنه حكى لي علي بن يحيى بن أبي منصور أن المأمون كان إذا تبخر طرح له العود ة والعنبر على المجمر، فحين يبخر يأمر بإخراجه ووضعه تحت الرجل من جلسائه إكراماً له؛ وحضر أحمد بن يوسف يوماً، وتبخر المأمون على عادته، ثم أمر بوضع المجمر تحت أحمد بن يوسف، فقال أحمد: هاتوا ذا المردود، فقال المأمون: ألنا تقول هذا، ونحن نصل رجلاً واحداً من خدمنا بعشرة آلاف درهم! إنما قصدنا إكرامك، وأن أكون أنا وأنت قد اقتسمنا البخور قطعة واحدة! يحضر عنبر! فأحضر منه شيء في الغاية من الجودة، في كل قطعة ثلاثة مثاقيل، فأمر أن تطرح قطعة في المجمر، ويبخر بها أحمد، ويدخل رأسه في زيقه، حتى ينفذ بخورها، وفعل به ذلك بقطعة ثانية وثالثة، وهو يستغيث ويصيح، وانصرف إلى منزله وقد احترق دماغه فاعتل ومات.

قال محمد: ومن سقطاته أنه كلم أب العباس عبد الله بن طاهر في حاجة له يخاطب له المأمون عليها فوعده بذاك، ثم عاد إليه فقال له: كنت سألتك أن تكلم أمير المؤمنين في كذا، وقد سألت مؤنس يعني جاريةً كان المأمون يتحظاها أن تخاطب أمير المؤمنين فيها، وما بالأمير حاجة إلى الخطاب في ذلك! فلما خرج قال: رأيتم أحمق من هذا! يسأل مثلي في أمر أن أخاطب الخليفة فيه، ثم يجيئني ويعرفني أنه قد سأل جارية.

فيما سألني، ولأنه قد استغنى بها عني!

٢٤١ - وحدث أبو هفان قال: كنت يوماً عند الفضل بن مروان وزير المعتصم، فقال في شيء جرى: الله المستعين أراد المستعان ما أحسن بالرجل أن يذكر ربه على كل حال! فقلت له: ليس ربك الذي ذكرت، فقال: قد قلت ألف مرة إني لو كنت أحسن العروض لقلت الشعر!

<<  <   >  >>