برهان , معتمدا في ذلك على قول لأبي يزيد جاء فيه:
صحبت أبا علي السندي فكنت ألقّنه ما يقيم به فرضا , وكان يعلمني التوحيد والحقائق صرفا.
فالنص - في نظره - لا يفهم منه سوى أن أبا يزيد كان يعلّم السندي الفروض الدينية , باعتباره حديث عهد بالإسلام , مقابل تلقيه عنه علم الحقيقة والفناء , الذي لم يكن على علم به) (١).
ونريد أن نثبت ههنا أيضا نص ما ذكره الباحث الإيراني المشهور الدكتور قاسم غني , فيقول:
(إذا كان رأي أولئك الذين يعتقدون أن التصوف وليد المعتقدات البوذية والهندية مبالغا فيه , فينبغي أن يقال في الأقل أن من جملة ما كان له تأثير في التصوف الإسلامي أفكار البوذية والهندية ونزعاتهما وعاداتهما.
والإسلام الذي خرج من حدود الجزيرة العربية بسرعة البرق بعد ظهوره بفترة قصيرة سرعان ما أخذ يتقدم في كل ناحية , ولم تطل المدة حتى بلغ تخوم الصين وفتحت بلاد السند في عهد بني أمية , وتوثقت علاقات تجارية واقتصادية بين المسلمين والشعوب والقبائل التي كانت تختلف من ناحية الفكر والحضارة والأخلاق عن أقوام البلاد الأخرى.
ومنذ القرن الثاني وما بعده وحين بدأ المسلمون بنقل كتب الشعوب الأخرى واتسعت دائرة العلوم , ترجم مقدار من آثار البوذية والهندية مما يدخل في باب التصوف العملي أي الزهد وترك الدنيا ووصف العبادات والتقاليد الهندية والبوذية في هذا الباب , ناهيك بنقل كتب هندية وبوذية في القرن الثاني للهجرة والصلات التجارية والاقتصادية القائمة بين المسلمين والهنود في أوائل الخلافة العباسية وقد انتشرت طائفة من تاركي الدنيا والسائحين من الهنود والمانويين في العراق وسائر البلاد الإسلامية الأخرى وكما كانوا يتحدثون في القرن الأول عن الرهبان والسائحين مع المسيحيين كذلك أخذوا يتحدثون في القرن الثاني عن رهبان وسياح ممن لم يكونوا مسلمين ولا نصارى وهم الذين سماهم الجاحظ (رهبان الزنادقة) واعتبرهم من زهاد المانوية.
قال الجاحظ: (إن هؤلاء سياح والسياحة بالنسبة لهم في حكم التوقف واعتزال
(١) المعراج في الكتابات الصوفية للدكتور قاسم السامرائي ص ٢١٦.