للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وكذلك النصارى.

أولا: لأنه نقل عن مسيحهم ما يشجعهم على التبتل والعزلة.

ثانيا: أن حواريي المسيح , وقدّيسي المسيحية الأوائل تحملوا أنواعا من العذاب في سبيل التمسك بمذهبهم , فأوذوا وأجبروا على ترك المساكن والمواطن وعاشوا في الصحارى والمغارات فرارا بدينهم , وحفاظا على إيمانهم , فحبس منهم وقتّل منهم كثيرون , وعذّب الآخرون.

فتأسيا بهم وتقديرا لهم حرموا أنفسهم من ملذات الدنيا ونعيمها , وألزموا عليهم العزبة والجوع والمشاق , وهجروا العيش بين الأهل والأولاد.

وأما المسلمون فلا نبيّهم أمرهم بذلك , ولا أصحابه ورفاقه الأبرار خيرة خلق الله , وأبرار هذه الأمة عملوا به , ودينهم دين الاعتدال والدين الوسط , الناسخ لجميع الشرائع السماوية منها والأرضية , الإلهامية وغير الإلهامية.

{وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (١).

والذي كمل قبل انتقال محمد صلى الله عليه وسلم إلى الملأ الأعلى.

{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} (٢)

وما لم يكن فيهما فهو ابتداع وإحداث فيه , وليس منه , ولا له علاقة به.

ولا ندري ممن أخذ متصوفة المسلمين ونساكهم من المسلمين هذا المنهج والمسلك الذي بنوا عليه تصوفهم وزهدهم. اللهم إلا ممن ذكرناهم من المسيحية , وأصحاب الديانات الهندية , وهذه أحوال معتدلي الصوفية ومتقدميهم.

وأما المتطرفون والمتأخرون فقد زادوا على هذين المصدرين مصدرا آخر استقوا منه فلسفتهم ومشربهم , وتشبثوا بآرائه ومقولاته. وهو الأفلاطونية الحديثة.


(١) آل عمران الآية ٨٥.
(٢) المائدة الآية ٣.

<<  <   >  >>