للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فمن أراد أن يرى الإسلام المتجسد في شخصهم , وذواتهم , وخلقهم , وعاداتهم , وأقوالهم , وأفعالهم , فلينظر إلى هؤلاء , فإنهم كانوا ممثلي الإسلام الصحيح , الكامل , غير المشوب بشوائب البدع والمحدثات , والخرافات والضلالاات التي لحقت الإسلام بعد أدوار وأطوار , فإنهم كانوا تلامذة المدرسة الإسلامية الأولى التي كان أستاذها والمعلم فيها سيد ولد آدم , المحفوظ بحفظ الله , والمعصوم بعصمة الله , والمؤيد بوحي الله , والهادي إلى الصراط المستقيم صلى الله عليه وسلم.

ولأجل ذلك حصر الله رضاه والدخول في الجنة لمتبعيهم بإحسان لكل من يأتي بعدهم , {والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه} (١).

فهم أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون لأنهم هم الذين حبب إليهم الإيمان وكرَه إليهم الكفر والفسوق والعصيان وأولئك هم الراشدون.

وهم القدوة الحسنة والمحك والمعيار لمعرفة الحق من الباطل , والهدى من الزيغ والضلال.

فكل عمل يخالف عملهم وكل قول يعارض قولهم , وكل طريق في الحياة يناهض طريقهم مردود مرفوض مطرود , لأنهم شاهدوا من رسول الله ما لم يشاهده غيرهم , وسمعوا من نبي الله ما لم يسمعه الآخرون , ورباهم من لم يرب هؤلاء , وتتلمذوا على من لم يتتلمذ عليه أولئك , فهم أشبه الناس في أقوالهم وأفعالهم , وأخلاقهم وعاداتهم , وعباداتهم ومعاملاتهم , ومعاشرتهم ومعاشهم برسول الله صلوات الله وسلامه عليه من غيرهم , فلذلك أُمر المؤمنون باتباعهم , وإلى ذلك أشار نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم في قوله (ما أنا عليه وأصحابي) حيث جعلهم معه على طريقة واحدة ومنهج واحد , ولم يُدخل في هذا الاختصاص أحد غيرهم ولم يخصهم بهذه المزية والفضيلة إلا بأمر من الله وإيعازه حيث أنزل عليه في محكم كتابه أن يقول: {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني} (٢) ... .

ولم يرد من قوله (ومن اتبعني) آنذاك إلا صحابه ورفاقه , تلامذته الراشدين وأوفيائه الصادقين , الهادين المهديين رضي الله عنهم أجمعين.

ففي ضوء الكتاب والسنة , وأسوة الرسول وسيرته , وعمل أصحابه وحياتهم


(١) التوبة ١٠
(٢) يوسف ١٠٨

<<  <   >  >>