للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

(فكان يعلن بعضهم أنه اطلع على الغيب وأن في مقدوره الإتيان بخوارق العادات ثم يذهب إلى ما هو أبعد من هذا مثل قولة الحلاج المشهورة: ما في الجبة غير الله - وغيره: أنا الحق وبمثل هذا وذاك ثار على الحلاج معاصروه ورموه بالسحر تارة والجنون أخرى وعذب عذابا أليما إلى أن مات في أوائل القرن الرابع , والله أعلم بحاله وكان من أمثال الحلاج من بالغوا مبالغة قلت أم كثرت كشهاب الدين عمر السهروردي المقتول رئيس جماعة الإشراقيين ومحيي الدين بن عربي الأندلسي. وابن سبعين الصقلي , وهم من رجال القرنين السادس والسابع وتابعهم جماعة من شعراء الفرس أمثال جلال الدين الرومي وفريد الدين العطار وكلهم يرمي إلى أن يقيم التصوف الإسلامي على دعائم فلسفية أو فارسية وهندية أو يونانية) (١).

ويقول الدكتور عبد القادر محمود:

(فإذا عدنا إلى تاريخ الاتصالات الأولى نجد أن الثقافة اليونانية كانت هي الثقافة المسيطرة على العقول في الشرق منذ عهد الإسكندر بالإضافة إلى ثقافات الشرق نفسه , حتى إذا أقبل المسلمون على حضارات غيرهم من الأمم القديمة كان إقبالهم على الثقافة الهللينية بمعونة نساطرة الحيرة وبمعاقبة غسّان , والسريان في الشام وغيرها , والصابئة من أتباع زرادشت , واليهود والنصارى. لكن الذي نؤكده أن باب الاتصال المباشر كان الأفلوطينية المحدثة ولو أن المسلمين حسبوها لأرسطو حين اعتقدوا خطأ أن كتاب الربوبية له , وهو في الواقع لأفلوطين الذي عرفوا من ورائه أفلاطون والثقافة اليونانية القديمة.

إننا نلاحظ أن الأستاذ نسلكسون يرى أن الأثر كان في القرن السادس الهجري , ويختلف معه ماسينيون , فيرى على وجه أصح أنه كان في القرن الرابع , والواقع أنه في القرن الثالث , بدليل أن الربوبية ظهرت عربية في الوسط الإسلامي في القرن الثالث الهجري وكان لها أثرها المباشر في نظريات الاتصال الفارابية , ونظريات البسطامي والحلاج. فإذا اعتمدنا على جهد اصطفان بن صُدَّيللي الغنوصي السرياني الذي كان أستاذاً في مجمع (أريو باجوس) الذي تخرج منه ديونيسيوس Dionysius الأريوباجي , والذي كان معاصرا ليعقوب السروجي الأديب السرياني المشهور (ت ٥٢١ م) أقول - إذا عدنا إلى اصطفان بن صُدَّيللي , وجهوده في النصف الثاني من القرن الخامس الميلادي وفي (الرُّها) بالذات فإننا نجد من جهوده الخطيرة


(١) أيضا ص ٢٧٦.

<<  <   >  >>