للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

التي في قلب المحدّث , فيقلبه ويسكن إليه) (١).

ونختم هذا على ما قاله ابن عربي في هذا الخصوص:

(اعلم يا بنيّ أن العبد المحقق الصوفي إذا صفا وتحقق صار كعبة لجميع الأسرار الإلهية من كل حضرة وموقف , ويرد عليه في كل يوم جمعة ما دام في ذلك المقام ستمائة ألف سرّ ملكوتي , واحد منها إلهي , وخمسة أسرار ربانية , ليس لها في حضرة الكون مدخل) (٢).

وليس هذا فحسب , بل يقولون بعروج المتصوفة إلى السماء , ووقوفهم بين يدي الربّ , ومناجاتهم به , وتكليمه إياهم , فيحكي ابن البان عن نفسه:

(أوقفني الحق على بساط الأسرار ... وارتقيت إلى السماء الأولى .. . ثم ارتقينا إلى السماء الثانية ... ثم انتهينا إلى السماء السابعة ... وفيها ملك على كرسي من نور ... وفي هذه السماء رضوان خازن الجنان , وأجمل الملائكة من جنده , وفيها إسرافيل رئيس عالم الجبروت , وهو الذي بشرني بالقرب والمنزلة الكريمة عند ربي , وبالسعادة في الآخرة والشفاعة في أمة محمد (ص) , وفي هذه السماء رأينا إبراهيم الخليل مسندا إلى البيت المعمور ... ثم انتهينا إلى سبعين حجابا آخر ... حتى انتهيت إلى آخر حجاب هناك , وإذا بكرسي من اللؤلؤ منصبة قوائمه من الجوهر والياقوت الأحمر والزبرجد الأخضر , فأخذ آخذ بيدي وأجلسني عليه , ثم نزّل علىّ شيء ودخل جوفي من حيث لا أعلم , فقال لي شيئا في قلبي. ها قد أكرمك مولاك بالسكينة الربانية. فلما أحسّ باطني بها سكن كل جارحة فيّ. فكأني لم أر أشياء ولم يهلني شيء.

ثم نوديت من مكان قريب. وذلك من جهاتي الستّ: يا حبيبي ومطلوبي , السلام عليك , فغمضت عينيّ , وكنت أسمع بقلبي ذلك الصوت حتى أظنه من جوارحي لقربه مني , ثم نوديت: انظر عليّ , ففتحت عينيّ فصرت كلي أعينا , وكأن في باطني ما أراه في ظاهري , وصرت كأني برزخ بين كونين وقاب , كما يرى الرائي عند النظر في المرآة ما بخارجها. ثم سمعت بقارئ يقرأ قوله: آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله , لا نفرق بين أحد من رسله


(١) ختم الأولياء للحكيم الترمذي ص ٣٤٦ ط المطبعة الكاثوليكية بيروت.
(٢) مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار لابن عربي ص ١٧١ ط مطبعة السعادة مصر ١٣٢٥هـ.

<<  <   >  >>