أرضه , وجعله إمام خلقه ووصاحب لواء الأولياء , وأمان أهل الأرض , ومنظر أهل السماء , وريحانة الجنان , وخاصة الله , وموضع نظره , ومعدن سره , وسوطه في أرضه , يؤدب به خلقه , ويحيي القلوب الميتة برؤيته , ويرد الخلق إلى طريقه , وينعش به حقوقه , مفتاح الهدى , وسراج الأرض , وأمين صحيفة الأولياء , وقائدهم , والقائم بالثناء على ربه , بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم! , يباهي به الرسول في ذلك الموقف , وينوه الله باسمه في ذلك المقام , ويقر عين رسول الله صلى الله عليه وسلم! , قد أخذ الله بقلبه أيام الدنيا , ونحله حكمته العليا , وأهدى إليه توحيده , ونزه طريقه عن رؤية النفس , وظل الهوى , وأئتمنه على صحيفة الأولياء , وعرّفه مقاماتهم , وأطلعه على منازلهم. فهو سيد النجباء , وصالح الحكماء , وشفاء الأدواء , وإمام الأطباء. كلامه قيد القلوب , ورؤيته شفاء النفوس , وإقباله قهر الأهواء , وقربه طهر الأدناس , فهو ربيع يزهر نوره أبداً , وخريف يجنى ثماره دأبا , وكهف يلجأ إليه , ومعدن يؤمل ما لديه , وفصل بين الحق والباطل. وهو الصديق والفاروق والولي والعارف والمحدّث. هو واحد الله في أرضه) (١).
وأما ما قاله المتأخرون فهو أظهر وأصرح , فيقول داود القيصري:
(فالنبوة دائرة تامة مشتملة على دوائر متباينة متفاوتة في الحيطة , وقد علمت أن الظاهر لا يأخذ التأييد والقوة والتصرف والعلوم , وجميع ما يفيض من الحق تعالى عليه إلا بالباطن: وهو مقام الولاية , المأخوذ من الولي , وهو القرب , والوليّ بمعنى الحبيب أيضا منه.
فباطن النبوة الولاية , وهي تنقسم بالعامة والخاصة. فلأولى تشتمل على كل من آمن بالله وعمل صالحا , على حسب مراتبهم كما قال الله تعالى: {الله وليّ الذين آمنوا}.
والثانية تشتمل على الواصلين من السالكين فقط , عند فنائهم فيه وبقائهم به في الولاية الخاصة , عبارة عن فناء العبد في الحق. فالوليّ هو الفاني فيه الباقي به.
. وهذا الفناء موجب لأن يتعين العبد بتعيّنات حقانية وصفات ربانية مرة أخرى , وهو البقاء بالحق , فلا يرتفع التعين منه مطلقا , وهذا المقام دايرة أتمّ وأكبر من دايرة النبوة , لذلك انختمت النبوة , والولاية دائمة , وجعل الوليّ , اسما من أسماء الله
(١) نوادر الأصول للترمذي ص ١٥٧ , ١٥٨ ط الآستانا.