ذلك الزمان , فقد اجتمعت به صلى الله عليه وسلم وهو في صورة شيخي الشيخ شرف الدين إسماعيل الجبرتي , ولست أعلم أنه النبي صلى الله عليه وسلم , وكنت أعلم أنه الشيخ , وهذا من جملة مشاهد شاهدته فيها بزبيد سنة ست وتسعين وسبعمائة , وسر هذا الأمر تمكنه صلى الله عليه وسلم من التصور بكل صورة , فالأديب إذا رآه في الصور المحمدية التي كان عليها في حياته فإنه يسميه باسمه , وإذا رآه في صورة ما من الصور وعلم أنه محمد , فلا يسميه إلا باسم تلك الصورة , ثم لا يوقع ذلك الاسم إلا على الحقيقة المحمدية , ألا تراه صلى الله عليه وسلم لما ظهر في صورة الشبلي رضي الله عنه قال الشبلي لتلميذه: أشهد أني رسول الله , وكان التلميذ صاحب كشف فعرفه , فقال: أشهد أنك رسول الله , وهذا أمر غير منكور , وهو كما يرى النائم فلانا في صورة فلان. وأقل مراتب الكشف أن يسوغ به في اليقظة ما يسوغ به في النوم , لكن بين النوم والكشف فرق , وهو أن الصورة التي يرى فيها محمد صلى الله عليه وسلم في النوم ولا يوقع اسمها في اليقظة على الحقيقة المحمدية إلى حقيقة تلك الصورة في اليقظة , بخلاف الكشف فإنه إذا كشف لك عن الحقيقة أنها متجلية في صورة من صور الآدميين , فيلزمك إيقاع اسم تلك الصورة على الحقيقة المحمدية ويجب عليك أن تتأدب مع صاحب تلك الصورة تأدبك مع محمد صلى الله عليه وسلم , لما أعطاك الكشف أن محمدا صلى الله عليه وسلم متصور بتلك الصورة , فلا يجوز ذلك بعد شهود محمد صلى الله عليه وسلم فيها أن تعاملها بما كنت تعاملها به من قبل , ثم إياك أن تتوهم شيئا في قولي من مذهب التناسخ , حاشا لله وحاشا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون ذلك مرادي , بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم له من التمكين في التصور بكل صورة يتجلى في هذه الصورة , وقد جرت سنته صلى الله عليه وسلم أنه لا يزال يتصور في كل زمان بصورة أكملهم ليعلي شأنهم ويقيم ميلانهم , فهم خلفاؤه في الظاهر وهو في الباطن حقيقتهم) (١).
وهذا ما قاله الدكتور أبو العلاء العفيفي معلقا على الفصّ السابع والعشرين (فصّ حكمة فردية في كلمة محمدية) من فصوص ابن عربي , فقال:
(شاع من أوائل عهد الإسلام القول بأزلية محمد عليه السلام , أو بعبارة أدق بأزلية (النور المحمدي). وهو قول ظهر بين الشيعة أولاً ولم يلبث أهل السنة أن أخذوا به , واستند الكل في دعواهم إلى أحاديث يظهر أن أكثرها موضوع. من ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أنا أول الناس في الخلق) ومنها: (أول ما خلق الله نوري) , ومنها:
(١) الإنسان الكامل للجيلي عبد الكريم ج٢ ص ٧٤ , ٧٥.