وأما سبب التجاء المتصوفة إلى علم الباطن , ومنه إلى التأويل هو أن الصوفية لم يجدوا في القرآن والسنة ما يمكن أن يكون سندا لهم على منهجهم ومسلكهم , ودليلا على طرقهم التي اختاروها , والمناهج التي اخترعوها للوصول إلى الله , والحصول على معرفته ورضائه , فالتجأوا إلى علم الباطن والتأويل الباطني كما قال نيكلسون:
(لا يمكن أن يكون القرآن أساسا لأي مذهب صوفي , ومع ذلك استطاع الصوفية متبعين في ذلك الشيعة أن يبرهنوا بطريقة التأويل نصوص الكتاب والسنة معنى باطنا لا يكشفه الله إلا للخاصة من عباده الذين تشرق هذه المعاني في قلوبهم في أوقات جدهم. ومن هنا نستطيع أن نتصور كيف سهل على الصوفية بعد سلموا بهذا المبدأ أن يجدوا دليلا من القرآن لكل قول من أقوالهم ونظرية من نظرياتهم أيا كانت , وأن يقولوا إن التصوف ليس في الحقيقة إلا العلم الباطن الذي ورثه علي بن أبي طالب عن النبي. ويلزم من هذا المبدأ أيضا (مبدأ التأويل) أن تأويل الصوفية لتعاليم الإسلام قد يأتي على أنحاء وأشكال لا حصر لعددها , وربما أدى إلى تناقض في العبادات والمسائل العلمية. وكل ذلك مفروض صدقه في النوع لا في الدرجة , لأن معاني القرآن لا حصر لها , وهي تنكشف لكل صوفي بحسب ما منحه الله من الإستعداد الروحي. ولهذا لم تتألف من الصوفية فرقة خاصة , ولا كان لهم مذهب محدود يصح أن نسميه مذهب التصوف. بل إن التعريفات العديدة التي وضعت للفظ التصوف نفسه لتدل على تعدد وجوه النظر في فهم معناه.
كذلك الحال في موقف الصوفية من الشريعة , فإن هذا الموقف يختلف بحسب حال كل صوفي. ولذلك تجد بعضهم قد قام بشعائر الدين بكل دقة بالرغم من أنهم كانوا يعتبرون أن صور العبادات ليس لها من القيمة ما لأعمال القلوب , أو أنها لا قيمة لها البتة إلا من حيث دلالتها على الحقائق الروحية. فالحج مثلا رمز للبعد عن المعاصي , والإحرام خلع الشهوات والملذات مع خلع الثياب. وهذا الأسلوب من البحث أسلوب معروف عند الإسماعيلية الباطنية , والظاهر أن الصوفية أخذوه عنهم.
وآخرون منهم قالوا برفع التكاليف الدينية سواء أكانوا من الصوفية الذين تحرروا من القيود الشرعية في تفكيرهم وأعمالهم , أم من الصوفية الصادقين في تصوفهم كالملامتية الذين دفعهم الخوف من مدح الناس إلى الظهور فيهم بما