ليت شعري هل دروا ... أيّ قلب ملكوا
وفؤادي لو درى ... أيّ شعب سلكوا
أتراهم سلموا ... أم تراهم هلكوا
حار أرباب الهوى ... في الهوى وأرتكبوا
فلم أشعر إلا بضربة بين كتفي بكف ألين من الخزّ , فالتفت فإذا بجارية من بنات الروم لم أر أحسن وجهاً , ولا أعذب منطقاً , ولا أرق حاشية , ولا ألطف معنى , ولا أدق إشارة , ولا أظرف محاورة منها , قد فاقت أهل زمانها ظرفاً وأدباً وجمالا ومعرفة , فقالت: ياسيدي كيف قلت؟ فقلت:
ليت شعري هل دروا ... أيّ قلب ملكوا
فقالت: عجباً منك وأنت عارف زمانك تقول مثل هذا! أليس كل مملوك معروف؟ وهل يصح الملك إلا بعد المعرفة وتمني الشعور يؤذن بعدمها والطريق لسان صدق فكيف يجوز لمثلك أن يقول مثل هذا؟ قل ياسيدي: ماذا قلت بعده؟ فقلت:
وفؤادي لو درى ... أيّ شعب سلكوا
فقالت: ياسيدي الشعب الذي بين الشغاف والفؤاد هو المانع له من المعرفة , فكيف يتمنى مثلك ما لا يمكن الوصول إليه إلا بعد المعرفة , والطريق لسان صدق فكيف يجوز لمثلك أن يقول مثل هذا ياسيدي!؟ فماذا قلت بعده؟ فقلت:
أتراهم سلموا ... أم تراهم هلكوا
فقالت: أما هم فسلموا , ولكن أسأل عنك فينبغي أن تسأل نفسك: هل سلمت أم هلكت ياسيدي؟ فما قلت بعده؟ فقلت:
حار أرباب الهوى ... في الهوى وأرتكبوا
فصاحت وقالت: ياعجباً كيف يبقى للمشغوف فضلة يحاربها , والهوى شأنه التعميم. يخدر الحواس ويذهب العقول ويدهش الخواطر ويذهب بصاحبه في الذاهبين فأين الحيرة وما هنا باق فيحار والطريق لسان صدق والتجوز من مثلك غير لائق. فقلت: يابنت الخالة ما أسمك؟ قالت: قرة العين. فقلت: لي. ثم سلمت وانصرفت. ثم إني عرفتها بعد ذلك وعاشرتها فرأيت عندها من لطائف المعارف الأربع ما لا يصفه واصف) (١).
(١) ذخائر الأعلاق لابن عربي ص ٧ , ٨.