شيء لست أدري ما هو , فيا إلهي إلى أين تنتهي هذه الحال ... ؟ فأسرجوا له جوادا , وتوجه للصيد , فكان يتجول في البرية دهشا بحيث لم يعرف ماذا يفعل , فأنفصل عن جيشه وهو في تلك الحال من الدهش , فسمع صوتا في الطريق يقول له: انتبه , فانتبه , ولم يصغ إليه , وذهب وجاءه هذا النداء للمرة ثانية , فلم يعره سمعا للمرة الثالثة نفس ذلك النداء , فأبعد نفسه عنه , وسمع للمرة الرابعة من يقول: (انتبه قبل أن تنبه) ففقد صوابه تماما وفجأة ظهرت غزالة فشغل نفسه بها , فأخذت الغزالة تخاطبه قائلة: إنهم بعثوني لصيدك , وإنك لن تستطيع صيدي , ألهذا خلقت؟ أو بهذا أمرت؟ إنك خلقت للذي للذي تعمله وليس لك عمل آخر , فقال إبراهيم: ترى ما هذه الحال .... ؟
وأشاح بوجهه عن الغزالة , فأرتفع نفس ذلك الصوت الذي قد سمعه من الغزالة من قربوس السرج , فوقر في نفسه الخوف والفزع وأزداد كشفا , وحيث أن الحق تعالى أراد أن يتم الأمر ارتفع ذلك الصوت ثلاث مرات أخر من حلقة جيبه , وبلغ ذلك الكشف هنا حد الكمال , وأنفتح عليه الملكوت ونزل , وحصل له اليقين , فابتلت الملابس والجواد من ماء عينيه , وتاب توبة نصوحا , وانتحى ناحية من الطريق , فرأى راعيا يرتدي لبادا , وقد وضع قلنسوة من اللباد على رأسه , وأمامه الأغنام وأخذ منه اللباد ولبسه ووضع قلنسوة اللباد على رأسه وطفق يسير راجلا في الجبال والبراري هائما على وجهه ينوح من ذنوبه , ثم غادر المكان إلى أن بلغ نيسابور , فأخذ يبحث عن زاوية خالية يتعبد فيها حتى وصل إلى ذلك الغار المعروف واعتكف فيه تسعة أعوام.
ومن ذا الذي يعلم ما كان يفعله هناك في الليل والنهار , إنه ينبغي أن يكون رجلا عظيما ذا مادة واسعة حتى يستطيع الإقامة في مثل ذلك المكان , وصعد إبراهيم يوم خميس إلى ظاهر الغار وجمع حزمة حطب واتجه في الصباح إلى نيسابور حيث باعها , وصلى الجمعة واشترى بثمن الحطب خبزا , وأعطى نصفه لفقير وتناول النصف الآخر , وأتخذ منه إفطاره وداوم صيامه حتى الأسبوع التالي , وبعد أن وقف الناس على شأنه هرب من الغار وتوجه إلى مكة , وقيل أنه بقي أربعة عشر عاما يطوي البادية حيث كان يصلي ويتضرع طوال الطريق حتى أشرف على مكة , وروي أنه كان له طفل رضيع عند مغادرته بلخ , ولما أيفع طلب من أمه أباه , فقصت له الأم الحال قائلة: إن أباك قد تاه , ونقل عنه أنه قال: عندما كنت أسير في البادية متوكلا , ولم أتناول شيئا مدة ثلاثة أيام جاءني إبليس وقال: أنت ملك , وتركت