ويحتمل الآلام وبعد مدة أخرى تأثر واشمأز لرؤية منظرا كريها لجثة في حالة من الفساد , وكان خادمه وصاحبه الوفي المسمى (جانا) يذكره وينبهه في كل هذه الحالات ويقول له: (هذا هو مصير حياة البشر) وشاهد بوذا أحد النساك يمر عليه وهو في منتهى الراحة والأبهة والكرامة فسأل جانا ما حال هذا الرجل .. ؟ فحكى له جانا تفصيلا عن أخلاق الزهاد الذين أعرضوا عن كل شيء وعن أحوالهم , وقال له: إن هؤلاء الجماعة في سير وأرتحال دائم وهم يعلمون الناس أثناء سياحتهم ورحلاتهم تعاليم هامة بالقول والعمل.
والخلاصة أنه برغم إختلاف الروايات لا شك في أن ذهن هذا الأمير الشاب قد أخذ يضطرب تدريجيا وينفر من الحياة وضوضائها.
ووفد عليه رسول يوما في أثناء أزماعه العودة من النزهة وبشره بميلاد ولد هو أول مولود له , فقال بوذا لنفسه في تلك الحالة النفسية المضطربه دون أن يشعر:(ما هي ذي رابطة جديدة تربطني بالدنيا). والخلاصة أنه عاد إلى المدينة بينما كان المطربون يلتفون حوله. فطرب ورقص في تلك الليلة أقاربه وذوو رحمه فرحا بالمولود الجديد. لكن بوذا كان من الامتعاض والاضطراب بحيث لم يكترث بتلك الأوضاع أبدا. وأخيرا نهض من فراشه في آخر الليل كمن التهمت النار داره وأوعز إلى جانا أن يحضر له الفرس ومد رأسه في هذه الأثناء إلى غرفة زوجته وولده الوحيد من غير أن يوقظهما وعلى العتبة أخذ على نفسه عهدا ألا يعود إلى داره ما لم يصبح (بوذا) أي (حكيما مستنيرا) وقال:
(أذهب لأعود إليكم معلما وهاديا لا زوجا ووالدا) والخلاصة أنه خرج مع جانا وهام في البراري , وفي هذه اللحظة ظهر في السماء (مارا) أي الوسواس الكبير (إبليس أو النفس الأمارة) ووعده بالملك والعز في الدنيا بأسرها لكي يرجع عن عزمه لكنه لم يقع في شرك الوسوسة. فسار بوذا قليلا في تلك الليلة على شاطئ النهر ثم وهب لجانا جوهره وملابسه الفاخره وأعاده ومكث سبعة أيام بلياليها في غابة ثم التحق إلتحق بخدمة برهمي يدعى (الارا) كان في تلك البقعة وأختار بعد ذلك صحبة برهمي آخر يسمى (أودراكا) وتعلم من هذين الرجلين حكمة وعلوم الهند كلها , ولكن قلبه لم يستقر بعد فذهب إلى غابة كانت في أحد الجبال , وهناك صحب خمسة من التلاميذ الذين كانوا يحيطون به ومارس التوبة والرياضات الشاقة ست سنين حتى اشتهر في تلك الناحية , فاعتزم لهذا أن يهجر ذلك المكان ولما قام ليذهب سقط على الأرض لشدة ضعفه