فيها إشارة إلى هذا الربط والزوايا , ومع ذلك نجد أن كبار الصوفية من رجال القرنين الثالث والرابع قد اجتمع حولهم المريدون ليأخذوا عنهم الطريق ويتأدبوا بآدابه. ومن الطبيعي أن هؤلاء المريدين أقاموا في بيوت دينية من نوع ما , كلما وجدوا إلى ذلك سبيلا. ويذكر المقريزي أن الخانقاوات وجدت في الإسلام في القرن الخامس الهجري المقابل للقرن الحادي عشر الميلادي. وإذا سلمنا بقول المقريزي فعلى معنى أن خانقاوات الصوفية التي كان يجتمع فيها المريدون تحت إشراف مشايخهم , لم تكثر وتنتشر في بلاد المملكة الإسلامية إلا في هذا التاريخ , وهذا يتفق مع ما ورد في كتاب آثار البلاد للقزويني حيث يقول إن أبا سعيد بن أبي الخير (المتوفى ١٠٤٩ م لا حوالي ٨١٥ كما يقول دي ساسي خطأ - ولا كما يقول دوزي وفون كريمر نقلا عن دي ساسي) يذكر عنه أنه مؤسس نظام الرهبنة في التصوف الإسلامي وأول واضع لقواعده وقوانينه. وبعد ذلك بمائتي سنة - أي بين ٤٥٠ , ٦٥٠ - زيد في نظام الرهبنة وانتشر هذا النظام على أيدي رجال الطرق , كالعدوية والقادرية والرفاعية وغير ذلك من الطرق التي توالى ظهورها سريعا) (١).
هذا بالنظر إلى أنه لا يوجد في تعاليم القرآن والسنة رسم ولا أثر لهذه التكايا والزوايا والخانقاوات والربط , بل أمر المسلمين ببناء المسجد للعبادة كما أمروا بتعمير بيوتهم بقراءة القرآن فيها والعبادة.
وأما بناء الأمكنة الخاصة للتعبد والذكر والأوراد فليس إلا تقليلا لشأن المساجد , وصرف الناس عنها , وإعطاء التكايا والزوايا والربط مكانتها وشأنها , وفي هذا مخالفة لأوامر الله وتعاليم رسوله صلوات الله وسلامه عليه. وعلى ذلك قال ابن الجوزي:
(أما بناء الأربطة فإن قوما من المتعبدين الماضين اتخذوها للانفراد بالتعبد , وهؤلاء إذا صح قصدهم فهم على الخطأ من ستة أوجه:
أحدها: أنهم ابتدعوا هذا البناء وإنما بنيان أهل الإسلام المساجد.
والثاني: أنهم جعلوا للمساجد نظيرا يقلل جمعها.
والثالث: أنهم أفاتوا أنفسهم نقل الخطى إلى المساجد.
والرابع: أنهم تشبهوا بالنصارى بانفرادهم في الأديرة.
(١) في التصوف الإسلامي وتاريخه لنييكلسون ترجمة عربية للدكتور أبي العلاء العفيفي ص ٥٦ , ٥٧ , ٥٨.