وتلمذهم عليهم , وتمجيدهم إياهم , والثناء عليهم فمنقول عنهم بكثرة , فإن إبراهيم بن أدهم - وهو من أوائل الصوفية - صرح بذلك حيث قال:
(تعلمت المعرفة من راهب يقال له: سمعان , دخلت عليه في صومعته فقلت له: يا سمعان , منذ كم وأنت في صومعتك هذه؟.
قال: منذ سبعين سنة.
قلت: ما طعامك؟
قال: يا حنيفي وما دعاك إلى هذا؟
قلت: أحببت أن أعلم.
قال: في ليلة حمصة. قلت: فمن الذي يهيج من قلبك حتى تكفيك هذه الحمصة؟
قال: ترى الذين بحذائك؟ قلت: نعم , قال إنهم يأتونني في كل سنة يوما واحدا فيزنون صومعتي , ويطوفون حولها , يعظمونني بذلك , وكلما تثاقلت نفسي عن العبادة ذكرتها تلك الساعة , فأنا أحتمل جهد سنة لعزّ ساعة , فاحتمل يا حنيفي جهد ساعة لعزّ الأبد , فوقر في قلبي المعرفة , فقال: أزيدك؟
قلت: نعم , قال: أنزل عن الصومعة , فنزلت فأدلى إليّ ركوة فيها عشرون حمصة.
فقال لي: أدخل الدير فقد رأوا ما أدليت إليك , فلما دخلت الدير اجتمعت النصارى , فقالوا: يا حنيفي , ما الذي أدلى إليك الشيخ؟
قلت: من قوته , قالوا: وما تصنع به؟ نحن أحق به. ساوم , قلت: عشرين دينارا , فأعطوني عشرين دينارا , فرجعت إلى الشيخ , فقال: أخطأت لو ساومتهم عشرين ألفا لأعطوك , هذا عز من لايعبده , فانظر كيف تكون بعز من تعبده يا حنيفي , أقبل على ربك) (١).
ونقل الهجويري عن صوفي قديم آخر , وهو: إبراهيم الخواص أنه قال:
(سمعت ذات مرة أن ببلاد الروم راهبا مقيما بالدير منذ سبعين سنة بحكم الرهبانية , فقلت: واعجبا ! شرط الرهبانية أربعون سنة. بأي شرف أخلد هذا الرجل إلى الدير سبعين سنة؟ وقصدته , فلما اقتربت من ديره فتح كوة وقال لي:
(١) تلبيس إبليس لابن الجوزي الباب العاشر ص ١٧٠ , ١٧١.