للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

(ويستخلص من هذا أن الصوفية المسلمين لم يجدوا حرجا في الإستماع إلى مواعظ الرهبان وأخبار رياضاتهم الروحية والإستفادة منها , رغم أنها صادرة عن نصارى , ونحن نجد فعلا كثيرا من أخبار رياضات الرهبان وأقوالهم في ثنايا كتب الصوفية وطبقات الصوفية) (١).

وقبل هذا كتب الدكتور البدوي في هذا الكتاب الذي اقتبسنا منه الأسطر الأخيرة , والذي دافع فيه عن التصوف دفاعا شديدا , وحاول فيه محاولة فاشلة لإثبات أصول التصوف ومصادره في الإسلام , ومن تعاليمه , كتب فيه:

(الاختلاط بين المسلمين والنصارى العرب في الحيرة والكوفة ودمشق ونجران وخصوصا في مضارب القبائل العربية التي انتشرت فيها المسيحية قبل الإسلام وبعده: بنو تغلب , قضاعة , تنوخ , وتتحدث بعض الأحبار عن أن بعض الصوفية المسلمين الأوائل كانوا يستشيرون بعض الرهبان النصارى في أمور الدين: كما يروي عبد الواحد بن زيد , والعتابي , وأبي سليمان الداراني) (٢).

وهذه هي الأشياء التي جعلت نيلكسون الإنجليزي , وفون كريمر الألماني , وجولد زيهر النمساوي يضطرون إلى أن يقولوا , واللفظ للأول:

(ويجب ألا ننسى في هذا المقام أثر المسيحية في الزهد الإسلامي في العصر المبكر فإن الأمر لم يقتصر على اللباس وعهود الصمت وكثير من آداب طريق الزهد التي يمكن ردها إلى أصل مسيحي , بل إننا نجد في أقدم كتب تراجم الصوفية - إلى جانبي الحكايات العديدة التي تمثل الراهب المسيحي يلقي المواعظ في صومعته أو عموده على زهاد المسلمين السائحين في الصحراء - أدلة قاطعة على أن مذاهب هؤلاء الزهاد كانت إلى حد كبير مستندة إلى تعاليم وتقاليد يهودية ومسيحية. ومن ذلك آيات كثيرة من التوراة والإنجيل مذكورة بين الأقوال المنسوبة إلى أولياء المسلمين , وأن القصص الإنجيلية التي كان يقصها رهبان المسيحيين على طريقتهم الخاصة كان يتلهف على قراءتها المسلمون: مثال ذلك المجموعة المعروفة باسم الإسرائيليات التي يقال إن وهب بن منبه (المتوفى سنة ٦٢٨ م) قد جمعها , وكتاب


(١) تاريخ التصوف الإسلامي للدكتور عبد الرحمن بدوي ص ٣٥ ط وكالة المطبوعات بالكويت ١٩٧٨ م.
(٢) أيضا ص ٣٣ , ٣٤.

<<  <   >  >>