[كشف الحال في وصف الخال]
[تأليف خليل بن إيبك الصفدي]
[تحقيق سهام صلان]
[بسم الله الرحمن الرحيم]
[مقدمة المؤلف]
الحمد لله على ما ألهم، وتحقيق ما أشكل سببه وأبهم، و"رفع الأدلة لله وألهم"، إذا هم في الليل بركوب الأدهم.
نحمده على نعمه التي جعلت الأديب لبيباً، وأوجدت الأدب للطائف ترباً، وللمحاسن ربيباً، وخصت الشعراء بميل النفوس إليهم، حتى كان البحتري لها وليداً، وأبو تمام نسيباً.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة حشيت حلاوتها بكل قلب، وطلاوتها أوجبت الحسن لكل ندب، وتلاوتها تأخذوا على كل أذن إذناً داخل الضرب..
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله خير ذي عم وخال، وأشرف من عم بالناس الهدى، فما أحد منه خلا إلا شيئاً منه خال، وأفضل من بشرت به الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في الزمن الخال.
صلى الله عليه وعلى آله الذين حازوا جمل المعارف، وفازوا بما نالوه من سعادة. بمآلات أهل الهجرة أذيال الطائف، ومازوا الخبيث من الطيب بذوق إلى الحق قائد، وعن الباطل صادف، صلاة مفتاح خزائنها بيوت الخطبة، وأزاهر بركاتها تحلى [بركاتها] باللآليء ترائب كل تربة، مازان المداد بخال نقطة وجنة جيم، وسلب قلب الهائم بخد كعاب، أوبمقلة ريم، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
وبعد: فإني لما رأيت الشعراء قد سلكوا في وصف الخال طرقاً تشعبت، وأخذوا فيه بتشابيه أخذت بمجامع القلوب وتلقبت، وأداروا فيه على النفوس كؤوساً لا ترضى بمدام الشفق في زجاج السماء أن تحكي فضل ما أحبت، آثرت أن أرقم وشائعة في برود هذه الأوراق، وأجلب بضائعة السائمة في خمود خمولها إلى قائد قائم [في] هذه الأسواق، وأجري حمائمه المغردة على غصون الأقلام بفاضل الأطواق، من كل مقطوع ألذ من نغمة موصول، ومن كل موضوع يحكم بإنه على رأس العلم موضوع، وعلى خد الطرس محمول، وكل مصنوع كأنه بالقلب معقود، لأنه من سواد العين محلول، وكل مطبوع أرته حسن النظم حتى بدا، وهو مصقول، وكل مسموع أوقفه القلب حفظاً، فشهد أن المنقول معقول.
ولم أثبت فيها إلا ما راق، وشاع حسنه وشاق، وساق البواعث على نقله حتى قامت الحرب في تسطيره بين الأقلام على ساق، ولم أودعها مع الجواهر ودعاً، ولم أجعل الوكيل في منسجها يدعى بدعاً، على أنني لم أدع الإحاطة بما نظم دره، فإن الشعراء يهيمون في كل واد، ويديمون الطرب لكل واد، ويقيمون بالأدب في كل ناد، وتسوق فوارس غاراتهم غنيمة كل فكر أنبتها مغنى، بعد أن أذكر فوائد أمرها مهم مقدم، وسردها ألذ من كأس ملئت من المدام المقدم، يجد الفاضل نفعها نضاً، ووقعها غضا:
أندى على الأكباد من قطر الندى ... وألذ في الأجفان من سنة الكرى
فجاء ذلك كله في مقدمتين ونتيجة.
[المقدمة الأولى في الخال لغة وماله بذلك من التعليق.]
المقدمة الثانية: في حقيقة المعنى، وسبب وجوده في الإنسان، وما يدل عليه بأختصاصه بمكان دون غيره على ما يزعم أرباب الفراسة.
النتيجة: فيما جاء من ذلك من رقيق النظم وبديعه، وجميل الغزل ووضيعه، وبالله التوفيق إلى طريق التحقيق.
[المقدمة الأولى]
في الخال لغة وما له بذلك من التعلق في الفوائد الخال لغة: هو النكتة السوداء في الجسد، ويجمع على خيلان، ورجل أخيل كثير الخيلان، وكذلك مخيل ومخيول، مثل مكيل ومكيول، ويقال أيضاً: مخول، مثل مقول، وتصغير الخال خييل، عند من قال: مخيل، ومخيول.
وخويل عند من قال: مخول.
[والخال لفظ مشترك يطلق على معان منها]
الخال: أخو الأم، والخالة أختها الخال: الخيلاء، ويقال رجل ذو خال أي: خيل، ومنه قول الشاعر يذكر مخلاً:
خال أبيه لبني بناته
يريد: ما كان من الخيلاء في أبيه صار في بناته، ومنه قول الآخر:
والخال ثوب من ثياب الجمال
والخال: الجمل الضخم، وأنشد ابن الأعرابي في نوادره:
غثاء كبير لا عزيمة عندهم ... يسوءان خيالانًا عليها العمائم
شبههم بالإبل في أبدانهم لا في عقولهم.
وقال الشاعر:
لقد عظم البعير بغير لب ... وكل شيء ضخم فهو خال
ولذلك يقال للسحابة: خال، قال الشاعر:
باتت تشيم بذي هرون من حضن ... خالاً يضيء إذا ما مزنة ركدا