للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال الشريف: وإنما سُمي تضميناً لأنط ضمنت البيت الثاني معنى البيت الأول، لأن الأول لا يتم إلا بالثاني، وهذا هو الذي أراد الناظم بقوله ((إخراج معنى لذا وذا)) ، أي لهذا البيت وهذا البيت، لمّا كان المعنى لا يستقل به كلّ واحدٍ من البيتين صار كأنه خرج من كل واحد منهما إلى الآخر.)) انتهى. قلت: وفي بعض النسخ ((إحواج)) بالحاء والواو، من الحاجة، كأنك أحوجت المعنى إلى البيتين جميعاً وهو أظهر من الأول. وكلام الناظم منتقد من جهة شمول تفسيره التضمين لما ليس منه، وذلك لأن أول البيت إذا كان مفتقراً إلى أول البيت الثاني فليس بتضمين، نَصّ عليه أبو العباس، وسماه تعليقاً معنوياً، ووجّه بأن القافية محلُّ الوقف والاستراحة، فإذا كانت مفتقرةً لما بعدها لم يصح الوقفُ عليها، أما إذا سَلِمت هي من الافتقار فلا عيب لانتفاء هذا المحذور، كقوله:

وما شَنَّتا خرقاءَ واهيةِ الكُلَى ... سقى بِهِما ساقٍ ولما تَبَلَّلا

بأضيعَ من عينيكَ للدمع كلّما ... تذكرتَ ربعاً أو توهمتَ منزلا

وكقوله:

وما وجدُ أعرابيةٍ قَذَفَتْ بها ... صروفُ النوى من حيث لم تكُ ظنَّتِ

نمنّتْ أحاليبَ الرعاءِ وخَيمةً ... بنجدٍ فلم يُقدَر لها ما تمنَّنت

إذا ذكرتْ ماء العضاةِ وطيبهُ ... وريحَ الصّبا من نحو نجدٍ أرَنَّتِ

بأكثر منّي لوعةً غيرَ أنني ... أطا مِنُ أحشائي على ما أجنَّتِ

ومثله كثير. وربما عدّ بعض أهل البيان مثلَ هذا من فن البديع وسموه بالتفريع. وقد كرر الناظم كلمة ((ذا)) في قوافي أبيات متقاربة هنا، وذلك حيث قال ((حذوذا)) ثم قال بعد أربعة أبيات ((عكس ذا)) ثم قال بعد بيتين ((لذا وذا)) ومثله إيطاء بالنسبة إلى البيتين الآخرين وهو عيب. قال:

وتكريرها اليطاءُ لفظاً ورجّحوا ... ومعنىً ويزكو قبحه كلَّما دنا

أقول: يعني أن تكرير القافية هو الإيطاء، أُخذ من التواطؤ وهو التوافق، سُمي بذلك لاتفاق اللفظين. ونقلَ بعضهم عن الخليل أنه تكريُرها من غير تباعد ولو اختلف معناها. وضعّفَ ابن جنى هذه الحكاية عنه. قال: أو يكون رأياً رآه وقتاً دون وقت. وحكى الرمّانى عنه أنه يقول بالإيطاء في مثل ((العين)) و ((العين)) مما يجتمعان في الاسمية، فأما ((ذهب)) ماضي ((يذهب)) ((وذهب)) مراسلُ الفضة فغيرُ إيطاء عنده. وظاهر هذا أن الاتفاق في الفعلية ((كمجَد)) من الوجدان ((ووجد)) من الحزن إيطاء. وحكى الأخفش عنه أنه قال بخلافه لأنه جوّز ((الرجل)) علماً مع ((الرجل)) يعني به الرجولية. وزعم الأخفش أن الكلمة 'ذا اختلفن معناها فلا إيطاء، وهو الحق لان اتحاد اللفظ مع اختلاف المعنى من محاسن الكلام. وأيضاً فإن قُبح الإيطاء دلالته على ضعف طبع الشاعر ونزارةِ مادته حيث أحجم طبعُه وقصّر فكره أن يأتي بقافية غير الأولى واستروح إلى إعادة الأولى، والطبعُ موكّل بمعاداة المعادات، وكلاهما مفقود عند اختلاف المعنى. وقد أشار الناظم إلى تقرير المذهبين، وأن الثاني هو المرجّح. وقوله ((ومعنى)) عطفٌ على مقدرٍ تقديرهُ ((لفظاً ومعنى)) . وقوله ((ويزكوقبحه كلما دنا)) يعني أن القافية المتكررة كلما قَربت من أختها تزايد القبح وفحش العيب، كقول توبة:

لعّلك يا فَحْلاً نزي بمريرةٍ ... تعاقبُ ليلى أنْ تراني أزورها

علىَّ دماءُ إنْ كان بعلُها ... يرى لي ذنباً غيرَ أنّي أزورها

وحدد بعضهم البعد بسبعة أبيات، وبعضهم بعشرة. قال صاحب العمدة: وتكرير قافية التصريع ليس بعيب، كقوله:

خليليّ مُرّا بي على أُمِّ جُنْدَبِ ... نقضَّى لُباناتِ الفؤاد المعذّبِ

فإنكما إن تُنظرانىَ ساعةً ... من الدهر تنفعني لَدَى أم ّ جندبِ

قلت: وهذا في الحقيقة غيرُ محتاج على التنبيه عليه لأن الكلام مفروضٌ في تكرير قافية البيت، وآخرُ النصف الأول من البيت المصرع ليس بقافية البيت قطعاً فهو غيرُ ما الكلامُ فيه، والله الموفق للصواب. قال:

والأقعادُ تنويعُ العروض بكاملٍ ... وقُلْ مثله التحريدُ في الضرب حيثُ جا

<<  <   >  >>