وأتفرج, فَقُلْتُ لغلماني: إِن جاء رسول الخليفة أوغيره, فعرفوه أني بكرت فِي مهم, وأنكم لا تعرفون أين توجهت؛ قَالَ: ومضيت, فطفت مَا بدا لي, وعدت وَقَدْ حمي النهار, فوفقت فِي شارع بالمخرم, بِهِ فناء ثخين الظل, وجناح خارج رحب عَلَى الطريق؛ لأستريح. فلم ألبث أَن جاء خادم يقود حمارًا فارهًا, عَلَيْهِ جارية راكبة, تحتها منديل دابقي, وعليها من اللباس الفاخر مَا لا غاية وراءه, ورأيت لَهَا قوامًا حسنًا, وطرفًا فاترًا, وشمائل ظريفة؛ فحدست أَنَّهَا مغنية, فدخلت الدار الَّتِي كنت واقفًا عَلَيْهَا, وعلقها قلبي فِي الوقت علوقًا شديدًا لَمْ أستطع مَعَهُ البراح, فلم ألبث إلا يسيرًا حَتَّى أقبل رجلان شابان جميلان, لهما هيبة تَدُل عَلَى قدرهما وهما راكبان, فاستأذنا , فأذن لهما, فحملني مَا قَدْ حصل فِي قلبي من حب الجارية وإيثاري عَلَى حالها والتوصل إِلَيْهَا عَلَى أَن نزلت معهما ودخلت, فظنا أَن صاحب الْبَيْت دعاني وظن صاحب الْبَيْت أني معهما, فجلسنا, وأتي بالطعام, فأكلنا, وبالشراب فوضع. وخرجت الجارية وَفِي يدها عود, فرأيت جارية حسناء, وتمكن مَا فِي قلبي, فغنت غناء صالحًا, وشربنا.
وقمت قومه للبول, فسأل صاحب المنزل عني الفتيين, فأخبراه أنهما لا يعرفانني, فَقَالَ: هَذَا طفيلي, ولكنه ظريف, فأجملوا عشرته.
وجئت فجلست, فغنيت الجارية فِي لحن لي:
ذكرتك أَن مرت بنا أم شادن ... أمام المطايا تشرئب وتسنح.
من المؤلفات الرمل أدماء حرة ... شعاع الضحى فِي متنها يتوضح
فأدته أداء صالحًا, وشربت, ثُمَّ غنت أصواتا فيها صنعتي: