للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإن " أبا عبادة " صان وتديها عن التشعيث، فما ظنك بعربي يسكن العماد يشفق على بيت عربية من تشعيث الوتد؟ والأوتاد يوصفن أبداً بالشعث، قال " الكميت " يصف الوتد:

وأَشعَثَ في الدارِ ذي غُرْبةٍ ... يُطِيلُ الحفوفَ ولا يَقْهَلُ

وقال " ذو الرمة ":

لم يُبْقِ منها أَبَدُ الأَبِيدِ ... غيرَ ثلاثٍ ما ثلاثٍ سودِ

وغيرَ مَشجوجِ القَفا مَوْتودِ ... أَشعثَ باقي رُمَّةِ التقليدِ

وذلك كثير في الشعر.

فأما تشعيث وتد القصيدة فإن وزن السينية إذا كان مستعملاً بالردف، جاء في الجزء الذي يقع فيه اللين زحاف يسمى التشعيث لم يمتنع منه الشعراء في الجاهلية ولا الإسلام، كما قال " اليشكري ":

آذنَتْنا بِبَيْنِها أَسماءُ

فقوله: أسماء، فيه تشعيث، وكذلك قول الآخر:

ليْسَ من ماتَ فاسترَاحَ بِمَيْتٍ ... إِنما الميْتُ مَيِّتُ الأَحياءِ

فقوله: الأحياء، فيه تشعيث.

فإذا فقدت الأوزان من هذا الجنس حروف الردف جاءت سالمة من التشعيث، لأنه إذا ظهر بأن خلله فيها، فيجتنبه الفحول مثل ما اجتنبه " أبو عبادة ". وربما جاء فيما فقد لينه من الأوزان، كما قال " أبو داود ":

كنتُ جاراً لكم فأَشمَتُّمْ النَا ... سَ بلى اليومَ آل كعبٍ وعَمْرِو

شرُّكُمْ حاضِرٌ ودَرُّكُمْ دَرُّ ... م خَروسٍ من الأَرانبِ بِكْرِ

يا فتى ما قتلتُم غيرَ دَعْب ... وبٍ ولا من فُوَارةِ الهِنَّبْرِ

وفتًى يُطعِمُ الأَرامِلَ إِذْ هَبَّ ... تْ نسيمُ الشتاءِ بالصِنَّبْرِ

ورأَيتَ الإماءَ كالجِعْثِنِ البا ... لي قياماً على فُوَارِ القِدْرِ

ورأَيتَ الدخَانَ كالكودَنِ الأَصْ ... حَمِ يَنباعُ من وراءِ السِّتْرِ

فالأبيات الأربعة الأخيرة قد أدرك قوافيها التشعيث، وهو غير خاف في الغريزة.

وإن الأعرابية إذا دخلت المصر، لتشبه النون الخفيفة أو الثقيلة إذا دخلت في غير مواطنها الستة، كما قال " جذيمة الأبرش ":

ربما أَوْفَيتُ في عَلَمٍ ... نَرفَعَنْ ثوبي شَمالاتُ

وعن " السيد عزيز الدولة " - أعز الله نصره - ليتكلف من إيناس الرعية ما لا يجب على السلاطين، حتى لقد خلط بالنساء المدريات سواكن البر القفريات، فمثله مثل قائل:

إِنَّ بالشِّعْبِ الذي دون سَلْعٍ

لزم من تشديد اللام في القافية ما لا يجب عليه. وكذلك " زياد " لما قال:

غَشِيتُ منازلاً بعُريْتِناتٍ ... فأَعْلَى الجَزع للحَيِّ المُبِنِّ

لزم في القصيدة من تشديد النون ما لا يجب عليه. وكذلك " كثير " لما قال:

خَلِيليَّ هذا رَبْعُ عَزَّة فاعْقِلا ... قَلُوصَيْكما ثم انزِلا حيثُ حَلَّتِ

فلزم اللام قبل التاء، وذلك لغزارة البحر في الشاعر ولعظم القدر.

والرأفة في قلب الملك، فما الذي يطلبه الجالون إلى البادية؟ إذا نزلت الكرائم من الأعرابيات بحلب حرسها الله فما يبتغي مصاحب البادية إلا مقلتاً من الأرض يحكم إذا نزله المقلة من الحصيات، كما قال " القيني ":

أَلم ترني ردَدتُ على عَدِيٍّ ... وقد خلَعتْ هوادِيهَا نِعالا

حُشَاشَتَه وبِنتُ الأَرضِ تقضِي ... إِذا ما استودف القومُ السِّخالاَ

أو كما قال " مزاحم العقيلي ":

ولمَّا ركِبْنا صَعْبَها وذَلُولَها ... إِلى أَن حجَبْنا الشمسَ تحت السُّرادِق

رمَتْنا بِفِلْذٍ من سَرارِة قلبِها ... فطُفْنَا به من بين حاسٍ وذائِقِ

وشجر الأعرابية سلم يرف، وشجر الحضرية الحبلة والضرف.

جناة النازلة في البدو إنما هي ابن أوبر أو المغرود، وجارها الناشط يرود كما قال " الرؤاسي "، ورؤاس حي من كلاب بن ربيعة:

يا أُخْتَ ذَحْوَةَ بل يا أُختَ إِخوَتِهم ... من عامِرٍ أَو سَلُولٍ أَو من الوقَعَهْ

هل يَكفِيَنْكِ ضَريبُ الشَّوْلِ ضاحِيَه ... والشحْمُ من حائر الكَوْماءِ والقَمَعَه

ومن جَنَى الأَرضِ ما تأتي الرِّعاءُ به ... من أُتْنِ أَوْبَرَ والمُغرُودِ والفَقَعَهْ

<<  <   >  >>