وإنما جعلت حلفاءهم مثلهم، لأن بعض ما يزاد في الكلمة يكون مثل حرفها الأصلي. ألا ترى أنك إذا جمعت كوثراً أو صغرته قلت: كويثر وكواثر، فكانت الواو وهي زائدة، ثابتة ثبات عين جعفر وما كان مثلها من الأصليات؟ وكذلك الجزء من الشعر يزاد عليه شيء من الجزء الآخر فيصير معه لا يفارقه، كما زيد الترفيل والإذالة على السباعيين في مثل قول الأول:
اِحْبِسْ جمالَك يا ابنَ قَيْ ... لةَ إِنها إِحدى المَحابِسْ
يا صاحِبَيَّ سَلِمتُما ... منْ خاطِرٍ في القلبِ هاجسْ
وفي مثل قول المرأة المكية:
أَبُنَيَّ لا تَظلمْ بِمَكةَ ... لا الصغيرَ ولا الكبيرْ
واحفِظْ مَحارِمَهَا ولا ... يَغرُرْكَ باللهِ الغَرورْ
ولعل بعض المعادين يحسب أن هذه الطوائف لا تهش للقتال، يذهب إلى أنهم بلا أرزاق. أو ما شعروا أن إقطاعهم كالأرزاق لهم؟ لو لم يكن لهم إقطاع لقاتلوا حمية وانتصاراً. قال الراجز:
نحن ضرَبْنا الأَسْدَ بالعِراقِ ... والحَيَّ من ربيعةَ المُرَّاق
بِلا معونةٍ ولا أَرْزاقِ ... إِلا بَقايا كرَمِ الأعْراقِ
ضرْباً يُقِيمُ صَعَرَ الأَعْناقِ
والمرجفون من أهل الجهل يتخوفون أن زعيم الروم إن خرج نازل " حلب حرسها الله ". ولو فعل لجاز أن يكون للأيام الثلاثة يوم رابع.
والأيام الثلاثة: يوم المخاضة، ويوم أفامية، ويوم الكرملوك.
وقد مضى القول في أن اللفظة تحمل على الطيرة وعلى الفأل ولو رأت جيوش الروم " قويقاً " لجاز أن يكون لهم طيرة بالهلاك، لأنه تصغير قاق، من تسمية العامة الغراب قاقاً. فينعب لهم قويق بتفريق الشمل. وكذلك لو رأت " العافية " هذه القرية، واسمها لأهل حلب حرسها الله فأل لعافية الجسم والصحة من السقم، وهي للعدو طيرة تعفو أثره، من قولك: عفته الريح، كما قال " حسان ":
دِيَارٌ من بَني الحَسْحاسِ قَفرٌ ... عَفَتْها الريحُ بَعْدَكَ والسماءُ
ولو نظروا إلى " القلعة " قابلتهم الطيرة بالبوار، لأن القلعة، بتحريك اللام، هو الكلام الصحيح، وهي موافقة لجمع قالع من قولك: قلع الفارس عن فرسه، فالواحد قالع والجمع قلعة، مثل ضارب وضربة. ولا عجب من أمر الله: كانوا يرون " القلعة " من أبواب المدينة شامخة في أعنان السماء، ثم تخرج إليهم القلعة من أبواب المدينة.
فانظر إلى هذين المعنيين كيف حسنا مع التضاد؟ و " القلعة " أدام الله حمايتها وإن كانت معقلاً للمسلمين، فقد صارت لما ملكها " السيد عزيز الدولة " - أعز الله نصره - كالقلعة السحابة العظيمة، واحدة القلع من قول " الباهلي ":
بِقَاعٍ من فَسا ذَفِرِ الخُزامَى ... تَهادَى الجرْبِياءُ به الحِنينا
تَفَقَّأُ فوقَه القَلَعُ السَّواري ... وجُنَّ الخَازِبازِ به جُنونَا
وإنما صارت كذلك لأن " السيد عزيز الدولة " - أعز الله نصره - يمطر عليهم الإحسان ويبلهم بالمعروف.
ومن سكن لام القلعة من العامة، فهو فأل لأهل البلد وطيرة للعدو، وكأنه المصدر من: قلعت الجيش عن الموضع قلعة. وإنما مملكته في هذا الموطن كما قال " ابن أحمر ":
اِسلَمْ بِرَاووقٍ حُبِيتَ به ... وانعَمْ صباحاً أَيها الجَبْرُ
ما أُمُّ عُفْرٍ بالغَلاَلةِ لم ... يمَسَسْ حَشَاها قبلَه غُفْرُ
قَعَدتْ من الشُّمِّ الطوالِ إِلى ... عنقاءَ يَلغَبُ دونَها النَّسْرُ
فذكر " المفجع " أن " ما " في قوله: ما أم غفر، للنفي، وأن الخبر محذوف. ولا يعجبني هذا القول. وإنما المعنى أنه أراد الاستفهام والتقرير، لأنه يخاطب امرأة ويزعم أنه أشار عليها بأمر فلم تقبل، أي: لو كنت قبلت لكنت كأم الغفر في المنعة والعز. وما، على معنى التقرير كما جاء في الحديث: " أم زرع وما أم زرع " أي: أي شيء هي: على معنى التعجب من الخير الذي هي فيه.
ولو نزل جيش العدو - خذله الله - بظاهر " حلب حرسها الله "، لصادفته القافية على الروي ومنع نومه الرس، وخاف الشجب من الحذو، وفقد الإشباع وفزع إلى التوجيه، وطلب المجرى والنفاذ فوجدهما عزيزين.