ولذلك يجب أن يحكم على هذا الولد بأنه من العامة لا من الملوك، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الولد للفراش، وللعاهر الحجر " وفي حديث آخر: " وللعاثر دعدع وللعاهر الحجر " ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمة مجح - وهي الحامل المقرب - فقال: لم هذه؟ قالوا: لفلان. قال: أيلم بها؟ قالوا: نعم. قال: " لقد هممت أن ألعنه لعناً يدخل معه قبره. كيف يورثه وهو لا يعرفه؟ أم كيف يستخدمه وهو لا يعرفه؟ ".
فقول نحن: إن الميراث ليتفاضل. ورسول الله صلى الله عليه وسلم كره أن يرث ولد الأمة شيئاً قليلاً امرأة المال، لأنه ملا يعرف أبوه. فكيف يورث هذا الرجل ملكه امرأة لا يثبت نسبه في الأحكام؟ أم كيف يكو ملك جيل من الأجيال من ولد لغير رشدة وقد علم أهل الملك بذلك؟ إن هذا لهو الخزي العظيم.
والعرب، على أنهم كانوا أهل رتب وشقوة، يعيبون على الرجل والمرأة قلة المهر. قال " جرير ":
تُساقُ من المِعْزَى مُهورُ نسائِهم ... وفي قزمِ المِعْزى لهنَّ مهورُ
وقال آخر، وهو كالمفتخر بكثرة المهر:
إِني وإِنْ سِيقَ إِليَّ المَهرُ ... عبدٌ وقيناتٌ وذُودٌ عَشْرُ
أَحَبُّ أَصهارِي إِليَّ القبرُ
فأما الفقهاء فيختلفون في المهر اختلافاً كثيراً: فأجاز بعضهم التزويج على ما قل وما كثر، ولم يجعل في المهر حداً يعرف. وممن ذهب إلى ذلك " محمد بن إدريس الشافعي ".
وقال " أبو حنيفة " وأهل العراق: عشرة دراهم أقل المهور.
وقال " مالك ": المهر ربع دينار.
وروى عن " إبراهيم النخعي " في ذلك ثلاثة أقوال: أحدها أنه قال: المهر رطل امرأة ذهب. وهذا قول لم يأت على الجزم والإيجاب.
والقول الثاني: أربعون درهماً. والقول الثالث أنه قال: أحب عشرة أو عشري، ليكون مخالفاً لمهر البغي.
وروى العرب " سعيد بن جبير " أنه قال في أقل المهور: خمسون درهماً.
وروى عن " الأوزاعي " أنه قال كلاماً معناه: أنه من تزوج على درهم لم ينقض عليه قاض. فيروون أن مذهبه في أقل المهور هو الدرهم الواحد.
وقال " ابن شبرمة " خمسة دراهم.
وروى أن " سعيد بن المسيب " زوج ابنته على درهم.
فأما الذي توجبه المروءة والديانة، فأن يكون مهر امرأة على مقدار حال الرجل: فإن كان موسراً حسن منه أن يكثر مهر امرأته. وإن كان مقتراً عذر في التقصير.
وذكرت المهر لأن ولد الرومي جائز أن تكون أمه لم تعط مهر بغي ولا غيره.
وإنما يمكن أن تكون هذه الأبيات الكافية من المديد لأنه إذا حمل على أخويه وجب أن يكون على ثمانية أجزاء، ولم تستعمله العرب إلا سداسياً.
وأطول ما استعملت منه: " إن بالشعب " ونحوها. إلا أن أهل العلم يضعون له أصلاً ثمانياً ليكون مثل أخويه. فمن ذلك قول القائل:
ليس مَن يشكو إِلى أَهلِه طولَ الكرَى ... مثْلَ مَنْ يشكو إِلى أَهلِه طولَ السَّهَرْ
الأبيات الكافية مشطور هذا الوزن.
ولهذا الولد ولهذين الملكين مثل آخر: وهو أنهما إذا كانا مثل الضربين الأولين من البسيط، وهما ملكان، والأول منهما هو الأكبر والثاني منهما هو الأصغر، فهذا الولد إن صح أنه من أهلهما فهو مثل الثالث من البسيط، لا يعرف في الظاهر أن بينه وبين الأولين قرابة، لأن الأول مثل قول " الأعشى ":
ودِّعْ هُريرةَ إِن الركْبَ مُرتحِلُ
وهو " بسيل ".
والثاني مثل قول " كعب ":
بانتْ سُعادُ فقلبي اليومَ مَتبولُ
وهو " قسطنطين ": والثالث مثل قول " عمرو بن قميئة ":
الكأْسُ مُلْكٌ لمنْ أَعملَها ... والملْكُ منه كبيرٌ وصغير
منها الصَّبوحُ التي تتركني ... ليثَ عِفرِّينَ والمالُ كثير
وأَولَ الليلِ لَيْثٌ خادِرٌ ... وآخرَ الليلِ ضِبْعَانٌ عَثور
وهذا الوزن في السمع بعيد من نمط الوزنين الأولين، وإنما يعلم بقرابته منهما أهل الخبرة. و " الخليل " سمى هذا الوزن الثالث: مذالاً.
أخذه من الذيل لأن في الجزء زيادة حرف ساكن.
ونحن نتأوله إذا نقلناه إلى ذلك الولد، أنه من الإذالة، أي الهوان.