وبيضاءَ قد رفَّعتُ عنها بقَفْرةٍ ... سماوةَ صَعْلٍ كالخِباءِ المُقوَّضِ
هجومٍ عليها نفسَه غير أنه ... متى يُرْمَ في عينيه بالشبْحِ ينهضِ
وأما أدم الظباء الراتعة وعفرها، فما أنجاها من بني آدم نفرها. كم جرة تنصب لأدماء حرة، وحبالة جعلت الظبي وشيقاً في بالة؟ واتخذوا أهبها للخير مواطن: ففيها تسطر كتب الله عزت كلمته، فهل تصيب من أجل ذلك نوارها رحمته؟ وفيها تكتب صدقات النساء وأوصار الأمم في العاجل والنساء. ما رق الصائد لطرف ما هو من الكحل بخلي، وجيد حسن وإن عطل من الحلي. والكلاب لصيدها معدة، وإذا توسد فإنها مرمدة، وقد يجمعون - والله عليم - لأذاتها المعلمة من الكلاب والطير، فلا إليه إلا الله، ما لقيت النافرة من الضير! إن بعد بها عن الناب الشد، فإنها بالصقر تحد. والعقاب الشغواء اتخذها بعض الناس، لتروع أظبى الكناس.
وأما الخزز والعكرشة والسمسم - ويحه! - والثرملة، فلقين أصناف البرجين مما كلب ولد الإنسان. كان: الخزز في أنيق أرض، مرازماً في العيش بين خلة وحمض، فبكر عليه القانص بأجر أو بارز، وكلب يرتبط أباز. وكانت العكرشة حابلاً أو خروساً قاعداً عن الولد عروساً، فجاءها الضاري والجارح بما يسلب حليلة من حليل ويذهل الخليل المشفق عن الخليل.
فإما أن تغدو أيماً وإما أن يكون ولدها موتماً.
وأما الصيدن، فما ينقذه من ذلك أريب احتيال، ولا يفلت من القنص بالإيال. خرج يكتسب لصغار، فحيل بينه وبين الغار. وقد تكون الثرملة مرضعاً فيعود السوذق لها مبضعاً.
وكل ذلك بقدر من الله. وليس ابن آدم فيما فعله بالذميم، إنما أجرى من الشيم إلى ما هو مباح حل، وأطلقه للعبد الإل.
وقد عمد إلى ذوات الجناح، بمثل ما قصد به ذوات الأربع من الجناح. فأعد لخشاشهن ما يلحق بن أظفار المنية من المنسر أو المخلب، والشرور أردأ المجتلب. كم فجعوا فرخاً بحمامة كانت تنزل على السمامة، فتركوا جوزلها وهو مضاع، إذا سمع حساً ينضاع! وكم منعوا الحاضنة من النتلة، فاجتثوا أصلها من غير عتلة! وأما الضب، فما وأل بطول التجربة، من أيد للأجل مقربة. وقد حذر الحسلة من الحرش، فما ودى ذبيحها بأرش، ولا عصمه أمثال مضروبة هي إليه فيما تزعم العرب منسوبة، وأكلوا مكنه من غير تحرج، وحالوا بين الضبة وبين التبرج. وصادوه حائلاً وساحياً، وحفرت الكدية على ضاحياً ووجدوا في عنقه أطواقاً بيضاء شهدت له بذهاب الحقب وبقائه من بعد قبيضاً. ما تركوه لاهياً بالعترة ولا العرارة والعرفجة خالياً من الشرارة.
وقال " أبو وائل شفيق بن سلمة ": " ضب مكوى أحب إلى من دجاجة سمينة " فإذا قال مثل ذلك أحد التابعين، فما ظنك بأشابة راثعين؟ قال الشاعر:
ذكرتُكِ ذكرةً فاصطدتُ ضَبّاً ... وكنتُ إِذا ذكرتُكِ لا أَخيبُ
وقال الشاعر:
بَشِّرْ يرابيعَ المَلاَ وضِبابَها ... أَنْ قد غدا حَمَلُ بنُ زيدٍ ثاويا
قد كان يُذلِقُها ويُعْجِلُ بعضَها ... عَبْطَ المنِيَّةِ رائحاً ومغاديا
وأنشد " أبو السراج " في كتاب المعاني:
تناولتُه من بيتِه أَحْرَشَ القَرا ... أَرَشَّتْ عليه المُدجِناتُ الهواضِبُ
تخاطَأَه المقدارُ حتى أَصبتُه ... وخُرطومُه في منقعِ الماءِ راسبُ
وأنشد " الشيباني " أبياتاً وفيها إقواء وخرم في غير البيت الأول، والأبيات:
أَرَّى بكَفَّيه وأَقعس رأْسَه ... وحَظْرَبَ نَفخاً مَسْكُه فهو حاظِبُ
فلما وجدتُ القَبْصَ يزدادُ فترةً ... وأَيقنتُ أَن الضبَّ لا بد ذاهبُ
قُمتُ وعِيدانُ السليخةِ قد جذَتْ ... جُذُوَّ المرامي بين بادٍ وغائبِ
وآخَرُ أَبْدَى عن ضُلوعيَ خَدْشُه ... ومستمسِكٌ نضنضتُه فهو ناشب
ودَبَّ على صدري دبيباً فليتني ... مع البُرْصِ الزرْقِ العيونِ الحناظبِ
خليل عراب بين حَزْمَينِ يرتعي ... أَعاشيبَ مَوْليٍّ سقَتْه الهضائبُ
وقالوا في الحث على أكل الضب:
إِنك لو ذُقتَ الكُشَى بالأكبادْ
لَما تركتَ الضبّ يعدو بِالوَادْ
وقالوا:
أَطْعِمْ أَخاكَ من عَقَنقَل الضَّب