وأكلك البرام الطلح؛ وغودرت بملاعب الوحش ليس في جسدك مجذ أعلى إلا وقد اجتمع فيه علان. وإن أصابك قطم الفحول السامية فسدمت، وإن نبا بك المرتع فهزمت. ونبحك أحد الحاميات وأنت من صممك لا تسمعه ولا تراه حتى تطأه فينشب نابه في سعدانتك، فيصيبك مما صنع بك داء الكلب - أفتظن أن مثلك يطلب له دماء الملوك حتى تخلط له بالأشفية؟ - وجمع لك والسرر والجزل والصب والعضد والهدل والفنين والخمال والهيام، ولا رزقت ممارساً مثل " عبيد " فيداويك من هذا الكيد. وسقط فوك حتى لا تصل إلى أكل الورقة من الشجر كما تأكلها الإبل. ومست عينك شوكة فإذا هي بإذن الله فقيء، وبقيت رذياً في القفرة وعوير ينقر كريمتيك، وأبو مذقة ينوش رزقاً في عجزك وأنت حي بالرمق ما قئت جريعة الدقر، وأوقد على كبدك ناره العشر، حتى إذا دنوت للمشرب فلقيك دونه المصرد، فمكثت لا تصدر ولا ترد.
ولا طلت أجزاعك، ولا فارقك نزاعك. وسالت مهجتك من شوقك إلى السيال، وسدرت عينك فلم تر السدر، وضؤل شخصك فلم تصل إلى الضالة، وطلحت دون الطلحة، ولا سلمت لذوائب السلم، ولا مرت سعدانتك على السعدان. وإذا رأيت البارق فطربت، ولا أعدت لك عنية متى جربت. وقدر لك عر وعر فيفر منك عبد وحر، وخشيت الإبل عدواك فلم تشرب معك من حوض، وهابت أن تراعيك في الروض؛ بل تغادرك خوفاً مما قدر، غدار البادية غريباً جدر. ورميت بالشوق الطارق إلى أليفك المفارق؛ وأضعف السقم حسك حتى يوجد هديرك القاصف كفحيح الأفعى الفانية.
هذا مضاف إلى ما أسلفتك من الدعوات. ولأزيدنك من الابتهال: ألقيت صحيفتك إلى المجلد، وحديت بالرجز وأخذ القصيد منك، ولا فارقت مسمعك قصيدة إما قصيرة وإما طويلة. ولا بركت إلا على ضب، وألفك ابنا دايتك، وزايلك بإذن الله غراباك. وعظمت سعدانتك فسررت، بل طارت حمامتك ووقعت رخمتك، وغضب عليك سنور أهلك، ولا ساعفك بالوصال قط. ودخل بر بين جوانبك. وقربت من الشبيبة وأبعدك خالقك من الشيب. ولا زلت أخا صاد بعيداً من دال.
وباينت القس ولا رأيت الكافر، فأما الشماس فلا أبخل عليك به أن تدنو منه. ولا بقي ملح فيما قبلك، وفارق الصليب جسدك. وطار شرر من قينك، ولا شممت القارة بقية عمرك. وأخذ من جلدك العنبر، ودنوت من القصبة. وضحك صبي في وجهك، ونأي شيخ عن بلادك.
وأخذ يربوع من متنك، وطير ذباب من عينك. وقرب إليك التبن المبيض فأخذك شبه الجنون. وعضدت، لا على معنى المساعدة. وكليت والكالي غير نائم. ورآك من لا يحفل برؤيتك، وقلبك من يتنفع بقلبك، وركبت وراكبك مالك لك والمعضد بيده والودان. وعصاك الشاب المقتبل فأما الهرم فما يهيدك. وسحرك ساحر لا يأثم فيك. ولا حمل فوق ظهرك الملح، وأخطأت أرضك مصيبة سوداء، ولا سمعت صوت المرتجز.
وكأني بك لجهلك وقلة خبرتك تقول في نفسك: ما معنى قوله: ألقيت صحيفتك إلى المجلد؟ وأي صحيفة تفتقر إلى التجليد؟ تظنها إحدى الصحف، والمجلد مجلد الكتب. وأخطأت، ليس هذا بعشك فادرجي. إنما عنيت بالصحيفة: جلدة الوجه، وبالمجلد: الذي يسلخ الإبل. يقال: جلد البعير، كما يقال: سلخ الشاة.
وكأني بك تحسب قولي لك: حديت بالرجز، معنياً به الراجز من الشعر. والجهل يحملك على أكثر من ذلك. ولو كنت أردت ما ظننت، لكنت داعياً لك، لا داعياً عليك. وهل تحدى أنت ورهطك إلا بالرجز من الشعر؟ والحداء غناؤك وغناء أصحابك. قال الراجز:
فغَنِّها وهي لكَ الفِداءُ
إنَّ غِناءَ الإِبِلِ الحُداءُ
وقد روى أن " ذا البجادين " حدا بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال:
تَعَرَّضِي مَدارِجاً وسُومِي ... تَعَرُّضَ الجوزاءِ للنجومِ
هذا أَبو القاسِمِ فاستقيمي وأمر صلى الله عليه وسلم " ابن الأكوع " أن يحدو به في بعض الغزوات. فنزل فقال:
ما همَّ لولا أَنت ما اهتديْنا ... ولا تَصدَّقْنا ولا صلَّيْنا
فأَنزِلَنْ سَكينةً علينا ... وثَبِّتِ الأَقدامَ إِنْ لاقَيْنا
وحدا " عبد الله بن رواحة " في " غزوة مؤتة " - وفيها قتل - فقال:
يا زَيدُ زيدَ اليَعملاتِ الذُّبَّلِ
تطاوَلَ الليلُ عليكَ فانزِلِ
وهذه الِعار التي ذكرت، رجز عند العرب، وإن زعم " الخليل " أن بعضها من السريع. ومثلها كثير.