ومن الذي أوهمك أن مثلك يسمع له قول أو يعرف مه إيماء؟ إن كان بلغك ذلك من أهل " حلب " حرسها الله، فإن حب " السيد عزيز الدولة أمير الأمراء " أعز الله نصره، يقد غمر قلوبهم وغطى أعينهم.
ومن الكلام القديم: حبك الشيء يعمى ويصم لا سيما قوم عدول يعرفون ب " بني سنان " يغلون في وصف هذا السلطان - أطال الله بقاءه - فيزعمون أن كفه أسمح من اللافظة وأن قلبه أشجع من قلب أسامة، وأنه بالرعية أبر من الوالدة، وأن رأيه أهدى للضلال من جدي الفرقد بل من الشمس الطالعة؛ ويدعون له ضروباً من فضائل متباينات لا يجتمع مثلها في الآدميين. ولعلك بلغك عن هؤلاء القوم أنهم يدعون للسيد " عزيز الدولة أمير الأمراء " أنه أوتي ما أوتيه " سليمان " - صلى الله عليه وسلم.
من معرفة كلام البهائم والطير وصنوف الحيوان. فإن كان نقل إليك هذا الخبر فمثله يحملك على تكليف حاجتك من يمر بك. وهل تقبل شهادة " جميل " ل " بثينة " أو " كثير " ل " عزة "؟ وما أنكر أن " السيد عزيز الدولة أمير الأمراء " - أعز الله نصره - كما وصف هؤلاء، غير أني لا أزعم أنه يفهم أصوات الحيوان، وهل يعلم ذلك أحد إلا الله؟ ومثل المحبة مثل الخمر: كلما دبت في الجسم، كان أبلغ لها في تعبير الحلم. قال الشاعر:
ونَدْمانٍ يَزِيدُ الكأْسَ طِيباً ... سَقيتُ الجاشِرِيَّةَ أَو سقاني
إِلى أَن خِلْتُ أَن أَبا قُبَيسٍ ... وهَضْبَ عَمَايةٍ فَرَسا رِهانِ
فهذا من فرط الإذهان، ظن جبلين من جبال الأرض فرسي رهان.
فيقدر الله سبحانه على أن ينطق الشاحج فيقول: أما وصفك نفسك بالنسيان وقلة الفهم، فصدقت! وفيك قال القائل:
لقَد عظُم البعيرُ بِغَيْرِ لُبٍّ ... فلم يَستغْنِ بالعِظمِ البعيرُ
وأما تكليفك إياك أن أسأل صاحب القراح في إعطائك وردة، فلا وجه له، قد أوتيت من طول العنق والجلاد ما علمت، فامدد عنقك فخذ ما شئت من الورد وغيره مما في الحائط.
وأما القوم الذين يعرفون ببني سنان، فلا أعرف أسماءهم ولا شخوصهم، ولا اقتنعت من معرفة شيم " السيد عزيز الدولة أمير الأمراء " - خلد الله أيامه - بأقوال الأنيس دون غيرهم من الحيوان. ولقد طرقنا في الواردة أسراب قطا كن لما هبط " السيد عزيز الدولة " بلاد الشام هربن من البزاة والصقور في نواحي الأرض، فأتين بلاد الهند وأوطان الحبشة ومخاليف اليمن وفلوات المغرب. ثم أجمعن الرجوع، فجعلن يتراطن بينهن ويزعمن أهن لم يرين مثل هذا السلطان - أطال الله بقاءه - في آفاق البسيطة؛ وأنهن عن رغبة في الموت في جواره، متشرفات أن يصيبهن مخالب صقوره! أفتى القطار يكذبن؛ معاذ الله، والمثل السائر: أصدق امرأة من قطاة؟.
قال " النابغة ":
تَدْعو القطا وبه تُدْعَى إِذا انتسبتْ ... يا صِدْقَها حينَ تَلقاها فتَنتسِبُ
وأما قلة مبالاتك بالدعاء، فبغى منك! وعليّ أن انتظر بك منصل الأل ثم أستقبل زمم العرش فأقول: يا عود يا عود، لا قدر لك جود. نقبت وحقبت، وأصبت الفاحشة فعوقبت، ومنيت بالأوق المثقل في " صعود " ذات الزقبات تحت الهاضبة في الأرض المقدرة؛ وكممت كمناجذ، وصممت كالزباب وعرجت كالقزلاء، وفلجت كفالج أبان، ولا طلعت من هذا النقب إلا وحلمك مشابه حلم السقب، حتى يهزأ بك فصلان من ولج ولدي، وحتى تكون الناضرة بينها وبين مشفرك قيد الأنملة فلا تراها عينك ولا يسوفها أنفك، فتميل بها إلى الحربش النائمة فليسها فمك، وحتى يشايع الراعي بالإبل فتقبل إليه من عوط وعشار جمعها بالزمجرة من بعيد الغيطان، وأنت قائم لا تسمع، ولو وضعت اليراعة على سم أذنك. وحرقك الظمأ ثم صادفك ماء ملح.