عَلَيْهِ قطعتا خيش قد ائتزر بِإِحْدَاهُمَا، وَألقى الْأُخْرَى على عَاتِقه، فَصَارَ فِي مَوضِع خَفِي إِلَى جَانِبي فَسَمعته يَقُول: إلهي، أخلقت الْوُجُوه كَثْرَة الذُّنُوب ومساوئ الْأَعْمَال، وَقد منتعنا غيث السَّمَاء لتؤدب الخليقة بذلك، فأسألك يَا حَلِيمًا ذَا أَنَاة، يَا من لَا يعرف عباده مِنْهُ إِلَّا الْجَمِيل، اِسْقِهِمْ السَّاعَة السَّاعَة. قَالَ: فَلم يزل يَقُول: السَّاعَة السَّاعَة حَتَّى اسْتَوَت بالغمام وَأَقْبل الْمَطَر من كل مَكَان، وَجلسَ مَكَانَهُ يسبح، وَأخذت أبْكِي، فَقَامَ فتبعته حَتَّى عرفت مَوْضِعه فَجئْت إِلَى الفضيل بن عِيَاض فَقَالَ لي: مَا لي أَرَاك باكيا؟ فَقلت: سبقنَا إِلَيْهِ غَيرنَا، فتولاه دُوننَا. قَالَ: وَمَا ذَاك؟ فقصصت عَلَيْهِ الْقِصَّة، فصاح وَسقط، وَقَالَ: وَيحك يَا ابْن الْمُبَارك، خذني إِلَيْهِ. قلت: قد ضَاقَ الْوَقْت وسأبحث عَن شَأْنه. فَلَمَّا كَانَ من الْغَد صليت الْغَدَاة، وَخرجت أُرِيد الْموضع فَإِذا شيخ على الْبَاب قد بسط لَهُ وَهُوَ جَالس فَلَمَّا رَآنِي عرفني، فَقَالَ: مرْحَبًا بك يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن، حَاجَتك. فَقلت لَهُ: احتجت إِلَى غُلَام أسود، فَقَالَ: نعم، عِنْدِي عدَّة فاختر أَيهمْ شِئْت، فصاح: يَا غُلَام. فَخرج غُلَام جلد، فَقَالَ: هَذَا مَحْمُود الْعَاقِبَة أرضاه لَك. فَقلت: لَيْسَ هَذَا حَاجَتي، فَمَا زَالَ يخرج وَاحِدًا وَاحِدًا حَتَّى أخرج إِلَيّ الْغُلَام، فَلَمَّا بصرت بِهِ بدرت عَيْنَايَ، فَقَالَ: هَذَا؟ قلت: نعم، فَقَالَ: لَيْسَ إِلَيّ بَيْعه سَبِيل،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute