[٦٨٣] لخلوف فَم الصَّائِم بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَاللَّام وَسُكُون الْوَاو وَفَاء وَقَالَهُ بَعضهم بِفَتْح الْخَاء فَقيل هُوَ خطأ وَقيل لُغَة قَليلَة وَهُوَ تغير رَائِحَة الْفَم أطيب عِنْد الله من ريح الْمسك اخْتلف فِي مَعْنَاهُ لِأَنَّهُ تَعَالَى منزه عَن استطابة الروائح فَقَالَ الْمَازرِيّ هُوَ مجَاز لِأَنَّهُ جرت الْعَادة بتقريب الروائح الطّيبَة منا فاستعير ذَلِك لتقريب الصَّوْم من الله فَالْمَعْنى انه أطيب عِنْد الله من ريح الْمسك عنْدكُمْ أَي يقرب إِلَيْهِ أَكثر من تقريب الْمسك إِلَيْكُم وَقيل إِن ذَلِك فِي حق الْمَلَائِكَة وانهم يستطيبون ريح الخلوف أَكثر مِمَّا يستطيبون ريح الْمسك وَقيل الْمَعْنى أَن الله يجْزِيه فِي الْآخِرَة فَتكون نكهته أطيب من ريح الْمسك كَمَا يَأْتِي المكلوم وريح جرحه يفوح مسكا وَقيل الْمَعْنى ان الخلوف أَكثر ثَوابًا من الْمسك الْمَنْدُوب إِلَيْهِ فِي الْجمع والأعياد ومجالس الذّكر وَالْخَيْر وَصَححهُ النَّوَوِيّ وَنقل القَاضِي حُسَيْن فِي تَعْلِيقه أَن للطاعات يَوْم الْقِيَامَة ريحًا يفوح قَالَ فرائحة الصّيام فِيهَا بَين الْعِبَادَات كالمسك فَائِدَة قَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب كَانَ وَقع نزاع بَين الشَّيْخ أبي عَمْرو بن الصّلاح وَالشَّيْخ أبي مُحَمَّد بن عبد السَّلَام فِي أَن هَذَا الطّيب فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة أم فِي الْآخِرَة خَاصَّة فَقَالَ بن عبد السَّلَام فِي الْآخِرَة خَاصَّة لِأَن فِي رِوَايَة لمُسلم أطيب عِنْد الله من ريح الْمسك يَوْم الْقِيَامَة وَقَالَ بن الصّلاح هُوَ عَام فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَاسْتدلَّ بأَشْيَاء كَثِيرَة مِنْهَا مَا فِي رِوَايَة لِابْنِ حبَان لخلوف فَم الصَّائِم حِين يخلف أطيب عِنْد الله من ريح الْمسك وروى الْحسن بن سُفْيَان فِي مُسْنده من حَدِيث جَابر أَعْطَيْت أمتِي فِي شهر رَمَضَان خمْسا قَالَ وَأما الثَّانِيَة فانهم يمسون وخلوف أَفْوَاههم أطيب عِنْد الله من ريح الْمسك حسنه أَبُو بكر السَّمْعَانِيّ فِي أَمَالِيهِ وكل وَاحِد من الْحَدِيثين صَرِيح بِأَنَّهُ فِي وَقت وجود الخلوف فِي الدُّنْيَا مُتَحَقق وَصفه بِكَوْنِهِ أطيب عِنْد الله من ريح الْمسك قَالَ وَقد قَالَ الْعلمَاء شرقا وغربا معنى مَا ذكرته فِي تَفْسِيره قَالَ الْخطابِيّ طيبه عِنْد الله رِضَاهُ بِهِ وثناؤه وَقَالَ بن عبد الْبر مَعْنَاهُ أزكى عِنْد الله وَأقرب إِلَيْهِ وَأَرْفَع عِنْده من ريح الْمسك وَقَالَ الْبَغَوِيّ فِي شرح السّنة مَعْنَاهُ الثَّنَاء على الصَّائِم وَالرِّضَا بِفِعْلِهِ وَكَذَا قَالَه الْقَدُورِيّ إِمَام الْحَنَفِيَّة فِي كِتَابه فِي الْخلاف مَعْنَاهُ أفضل عِنْد الله من الرَّائِحَة الطّيبَة وَمثله قَالَ الْبونِي من قدماء الْمَالِكِيَّة وَكَذَا قَالَه أَبُو عُثْمَان الصَّابُونِي وَأَبُو بكر السَّمْعَانِيّ وَأَبُو حَفْص بن الصفار الشافعيون فِي أماليهم وَأَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ الْمَالِكِي فَهَؤُلَاءِ أَئِمَّة الْمُسلمين شرقا وغربا لم يذكرُوا سوى مَا ذكرته وَلم يذكر أحد مِنْهُم وَجها بتخصيصه بِالآخِرَة مَعَ أَن كتبهمْ جَامِعَة للوجوه الْمَشْهُورَة والغريبة وَمَعَ أَن الرِّوَايَة الَّتِي فِيهَا ذكر يَوْم الْقِيَامَة مَشْهُورَة فِي الصَّحِيح بل جزموا بِأَنَّهُ عبارَة عَن الرَّجَاء وَالْقَبُول وَنَحْوهمَا مِمَّا هُوَ ثَابت فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَأما ذكر يَوْم الْقِيَامَة فِي تِلْكَ الرِّوَايَة فُلَانُهُ يَوْم الْجَزَاء وَفِيه يظْهر رُجْحَان الخلوف فِي الْمِيزَان على الْمسك الْمُسْتَعْمل لدفع الرَّائِحَة الكريهة طلبا لرضا الله حَيْثُ يُؤمر باجتنابها واجتلاب الرَّائِحَة الطّيبَة كَمَا فِي الْمَسَاجِد والصلوات وَغَيرهَا من الْعِبَادَات فَخص يَوْم الْقِيَامَة بِالذكر فِي رِوَايَة لذَلِك كَمَا خص فِي قَوْله تَعَالَى إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ وَأطلق فِي بَاقِي الرِّوَايَات نظرا إِلَى أَن أصل أفضليته ثَابت فِي الدَّاريْنِ انْتهى إِنَّمَا يذر شَهْوَته وَطَعَامه وَشَرَابه من أَجلي لِأَحْمَد من طَرِيق إِسْحَاق بن الطباع عَن مَالك قبله يَقُول الله عز وَجل وَفِي فَوَائِد سمويه يتْرك شَهْوَته من الطَّعَام وَالشرَاب من أَجلي فالصيام لي وَأَنا أجزي بِهِ الْفَاء وَاخْتلف الْعلمَاء فِي معنى هَذَا الْكَلَام مَعَ أَن الْأَعْمَال كلهَا لَهُ وَهُوَ الَّذِي يَجْزِي بهَا على أَقْوَال أظهرها قَولَانِ أَحدهمَا أَن الصَّوْم لَا يَقع فِيهِ الرِّيَاء كَمَا يَقع فِي غَيره وَيُؤَيِّدهُ حَدِيث الصّيام لَا رِيَاء فِيهِ قَالَ الله عز وَجل هُوَ لي وَأَنا أجزي بِهِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان من حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَسَنَده ضَعِيف وَالثَّانِي أَن جَمِيع الْعِبَادَات يُوفى مِنْهَا مظالم للعباد إِلَّا الصّيام روى الْبَيْهَقِيّ عَن بن عُيَيْنَة قَالَ إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة يُحَاسب الله عَبده وَيُؤَدِّي مَا عَلَيْهِ من الْمَظَالِم من عمله حَتَّى لَا يبْقى لَهُ إِلَّا الصَّوْم فيتحمل الله مَا بَقِي عَلَيْهِ من الْمَظَالِم ويدخله بِالصَّوْمِ الْجنَّة وَيُؤَيِّدهُ حَدِيث كل الْعَمَل كَفَّارَة إِلَّا الصَّوْم الصَّوْم لي وَأَنا أجزي بِهِ رَوَاهُ أَحْمد وَقيل سَبَب اضافته إِلَى الله تَعَالَى أَنه لم يعبد بِهِ أحد غير الله بِخِلَاف السُّجُود وَالصَّدَََقَة وَالذكر وَغير ذَلِك فَإِن الْكفَّار عظموا بِهِ أصنامهم وَلم يعظموها بِالصَّوْمِ فِي عصر من الْأَعْصَار وَقيل لِأَنَّهُ لَيْسَ للصَّائِم وَنَفسه فِيهِ حَظّ وَقيل لِأَن الِاسْتِغْنَاء عَن الطَّعَام من صِفَات الله تَعَالَى فتقرب الصَّائِم بِمَا يتَعَلَّق بِهَذِهِ الصّفة وَإِن كَانَت صِفَات الله تَعَالَى لَا يشبهها شَيْء وَقيل مَعْنَاهُ أَنا الْمُنْفَرد بِعلم مِقْدَار ثَوَابه وتضعيف حَسَنَاته وَغَيره من الْعِبَادَات أظهر سُبْحَانَهُ بعض مخلوقاته على مِقْدَار ثَوَابه وَقيل هِيَ إِضَافَة تشريف كَقَوْلِه تَعَالَى نَاقَةَ اللَّهِ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ مَعَ أَن الْعَالم كُله لله تَعَالَى وَقيل مَعْنَاهُ أَنه أحب الْعِبَادَات إِلَيّ والمقدم عِنْدِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute