رجع: لو أمنت التبعة لجاز أن أمسك عن الطعام والشراب حتى أخلص من ضنك الحياة؛ ولكن أرهب غوائل السبيل. إن فعلى غير جميلٍ، والغاب مظنة من الأسد، والعشرة مكمن الجان، ولعل الأرقم راقد في الهشيم. وهل لك يا خائنة على الله مقال! أنت الكاسية في الشبم والصخدان، والطاعمة في الوضح والسواد، والنائمة بغير مروع في ليل التمام. يا ذئب عن حملان: أحدهما في السماء لم ينله قبلك ذئب، والآخر حمل وقير، دونه عنزة الفقير، كلا! أحسبت أن النقد، ليس بمفتقدٍ، والكاذب أبو جعدة. إن له راعياً حمال وفضاتٍ، براء نبعاتٍ، ولاغ الحظوات، في مهج أسدٍ وسراحٍ. غاية.
تفسير: مظنة من الأسد أي يظن أن فيه الأسد. والجان: الحية؛ يقال: جان العشرة وثعبان الحماطة. والشبم: البرد. والصخدان: شدة الحر. والوقير: قطيع الغنم، ولا يقال له وقير حتى يكون فيه كلب وكراز وهو الكبش الذي يحمل عليه الراعي خرجه في قول أبي عبيدة. وقال غيره الوقير: شاء الأمصار، وقال أبو النجم يصف الصائد:
تنبحه الحيات في كسورها ... نبح كلاب الحي عن وقيرها
والوقيرة بالهاء: قطيع من الظباء عن أبي عمرو الشيباني. والعنزة: نحو الحربة: والوفضات: جمع وفضةٍ وهي كنانة النبل. والنبعات: جمع نبعةٍ وهي شجرة القسي والحظوات: جمع حظوةٍ وهي سهم صغير، ويقال في جمعه حظاء أيضا؛ ويقال في المثل " إحدى حظيات لقمان " يعنون لقمان بن عادٍ؛ ويقال ذلك عند الكلام المؤذي يبلغ الرجل؛ وقال أوس بن حجرٍ يصف القوس:
تخيرها من غيلها وهي حظوة ... بوادٍ به نبع طوال وحثيل
يعني أنه أبصر عود هذه القوس وهو صغير مثل السهم فلم يزل يتعهده ويختلف إليه حتى صلح أن يتخذ منه قوس. والمهجة هي خالص النفس ويقال دم القلب. والمعنى أن الرجل يظلم ويظن أن الناس لا يسألون عن ذلك في الآخرة. والسراح: جمع سرحانٍ وهو الذئب. وأبو جعدة: من كنى الذئب؛ وإنما سمى بذلك فيما يزعمون على سبيل العكس لأنه يوصف بالفقر، وجعدة ها هنا: يراد بها الشاة الجعدة الصوف. ويجوز فيه وجه آخر وهو أن يكون قيل له أبو جعدة وهو لها عدو ليس فعله فعل الآباء. ويحتمل أن يكون قبل ذلك لكثرة غارته على الشاء، كما كنى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنس بن مالكٍ أبا حمزة ببقلةٍ كان يجتنيها؛ وقال عبيد بن الأبرص:
هي الخمر تكنى الطلاء ... كما الذئب يكنى أبا جعدة
هكذا ينشدون البيت ناقصاً؛ والمعنى أن الخمر تسمى بالطلاء وليست به.
رجع: أي الدرهمين أهم لك: أدرهم وقع في طوىٍ، أم درهم وقع في يد غوىٍ؟ أما درهم النزوع فسقط وما وقط، وأما درهم الجاهل فضاع وأضاع. وددت أن لي من الذهب مائة بهارٍ لا أنتفع بها ولا أراش، كلما جنيت سيئةً نقص منها شئ وأنا مع ذلك جشب المطعم حسن اللباس وهي تنتهب فتذهب حتى يقع فناؤها مع النسيس فأكون الأسعد بذاك. وليت كل شعرةٍ في جسدي مقول فصيحٍ يمجد الواحد بأصناف اللغاتٍ، تصيح سودها نعيب الأغربة، وبيضها صرير البزاة، تستغفر لمن اقترف فأسرف وأجرم فلا جرم إن الله ألبسه ثوب الصغار. وأعوذ بك رب من لسانٍ كلسان الوقود؛ أما ظاهره فحسن، وأما عادته فالإحراق. وليكن ريقي كماء الشربة يسقي طيب الجناة، وكلمي كالطئر الدواجن تنفع أهلهاولا تضر الأقوام؛ ولأمس نابي الناب عن كل مأكلٍ حرامٍ، ولا يكن كناب الابل يعجبها مناصاة السلم وجذب الطلاح. غاية.
تفسير: النزوع: البئر التي ينزع منها بالرشاء. ووقط: من قولهم ضربه فوقطه إذا وقع مغشياً عليه. والبهار يقال إنه ثلثمائة رطل، وقيل هو وزن معروف، وقال قوم: البهار خمسة أوسقٍٍ؛ قال الهذلي:
سماكيا كأن بحافتيه ... ركاب الشام يحملن البهارا
وفي الحديث عن عمرو بن العاص لما بلغه قتل طلحة أن ابن الصعبة مات وترك مائة بهارٍ من ذهبٍ. والصعبة: أم طلحة. وأراش من قولهم راش الفقير يريشه إذا جعل له مالاً؛ كأنهم شبهوا كسونة وأثاثه بريشٍ الطائر؛ قال الشاعر:
فرشنى بخيرٍ طالما قد بريتنى ... وخير الموالي من يريش ولا يبرى
وجشب المطعم أي خشنه. والنسبس: آخر النفس وبقيتها: قال أبو زبيدٍ:
إذا ضمت يداه إليه قرناً ... فقد أودى إذا بلغ النسيس
جرم عند البصريين في معنى حق، وكذلك فسروا بيتاً ينسب إلى قيس ابن زهيرٍ: