رجع: يا من يضرب ليصرب لو علمت ما يكون بعدك لقنعت بالصربة واجتنيت صرباً. ضرب في الأرض هرباً من المعصية خير لك من لزوم الآنسة أشبه ريقها راحاً وضرباً. في قدرة الخالق أن تقول الضبع لباغي الحرب: من يظلم، يخضب رأسه بالعظلم، وتأكله أضبع تغتلم، ويصبح أديمه قد حلم، وحسبك الخالق محسباً. تذكر قتيلة بما أنشدته، كما تذكر نتيلة بمن ولدته، وأين المرية من النمرية! ذكر تلك حسرة، وذكر هذه أسرة، ولا يزال ربك مرتقباً. يارب القود، واليقظة والرقود، والخمدة والوقود، والعالم بالضمير المعقود، ليت شخصى مفقود، الحياة إلى الموت تقود، أسألك بخافضٍ وعالٍ، وممتطي نوقٍ ونعالٍ، لا يصيدون الريم، كرامة لوجهك الكريم، هجروا هنداً وأمامة، ولم يروعو الحمامة، من شامٍ ويمنٍ، وفجاجٍ لا تقطع إلا في الزمن، أن تغفر لى وترحمن، فهأنا من خشية سخطك مكتئباً. آرى آرى، ما قصدت النصارى، والفرس ولا أتمارى، إلا الملك لا يبارى، إياك طلبت المهارى بالقوم كأنهم سكارى، رشحت الكشوح والذفارى، ونحن في قبضتك أسارى، والأرض تجمعنا جمارى، فوارني لأتوارى، لا تجعلنى لغيرك مرجباً. أبعد الله الملحدة غير أعفءر ولا بررةٍ، بل هم الفسق الخونة، إنهم للئام الزهدة، أعبد من أقام أوديه، بسط وقبض يديه، ليغفر إذا صفر جسديه، لو بعث على ثهلان قدراً صار كوتدٍ ساخ. غاية.
تفسير: يضرب: يذهب في الأرض. ويصرب: يجمع. والصربة: اللبن الحامض. والصرب: صمغ الطلح وهو أحمر. والعظلم: صبغ أحمر يقال إنه الفوة. والضبع توصف بالغلمة وأنها تقعد على غراميل القتلى إذا انتفخت؛ وكذلك فسروا قول الساعر:
فلو مات منهم من جرحنا لأصبحت ... ضباع بأكناف الشريف عرائسا
وحلم الأديم إذا تشقق وتعين؛ وأصل ذلك أن تقع فيه دودة يقال لها الحلمة وحسبك: كفايتك. ومحسباً: كافياً. وقتيلة: أخت النضربن الحارث أحد بني عبد الدار وهي صاحبة الأبيات القافية. ونتيلة: أم العباس وضرارٍ ابني عبد المطلب وهي النمر بن قاسطٍ؛ ويقال إن عبد المطلب سافر إلى اليمن فنزل ببعض الملوك وهو شيخ أشيب، فجاءه الملك يخضابٍ من السواد فغير لحيته فعاد إلى أهله خضيباً؛ فقال:
فلو دام لى هذا الشباب رضيته ... وكان بديلاً من شبابٍ قد انصرم
تمتعت منه والحياة لذيذة ... ولا بد من موتٍ نتيلة أو هرم
والمرية: قتيلة لأنها من مرة بن كعب بن لؤي. والنمرية: نتيلة. والأسرة: آل الرجل وبنوه. والقود: جمع أقود وقودا، وهو الطويل العنق من الناس والبهائم. آرى بالفارسية: نعم. الذفاري والذفارى: جمع ذفرى وهي التي خلف أذن البعير كأنها محجمة، وهي من الفرس معقد العذار، وقد تستعمل في الإنسان. وقيل لأبي عمرو بن العلاء: الذفرى من الذفر؟ فقال نعم. والذفر: حدة الرائحة من طيبٍ أو نتنٍ. وذفرى البعير توصف بكثرة العرق؛ فلذلك قيل إن اشتقاقها من الذفر. وجمارى أي جميعاً؛ ومنه قولهم: جمر الملك جنوده إذا بعثهم كلهم في البعوث: وفي حديث عمر رضي الله عنه " لا تضربوا المسلمين فتذلوهم، ولا تجمروهم فتفنوهم " أي إذا بعثتم جيشاً فلا تجمعوا المسلمين كلهم فيه. والمرجب: المعظم؛ ومنه اشتقاق رجبٍ. يقال لئيم زاهد وزهيد، يوصف بالبخل وقلة العطاء. الأود: الاعوجاج. وصفر: خلا. ساخ الوتد في الأرض إذا نزل فيها.