للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رجع: يا رب الجدل والجدل، وخالق الهدال والهدل، والخدلة والخدل، والمبدل منه والبدل، لا تزدني في العيش نصباً. لا يفوتك دقيق ولا جليل، أعظمك وما أغناك عن التعظيم، وأستوهبك وأنت كريم، فأصغر بي متهباً. قد يكون الخمول داعياً للنباهة، كالنار ستر ضوءها باليبيس فأظهر ذلك لهباً. أشهد أربع عشرة من الليالي والأيام، وأثنى عشر من الشهور، ومثلها من البروج والرياح، وثلثمائةٍ وخمساً وستين يوماً ومثلها ليالي، وأربعاً وعشرين من الساعات، انى أضمر لله رهباً. أسأل الرياح الأربع، والمصيف والمربع، والسغب والشبع، ومنازل القمر وكل نجم في السماء أن تحمل عنى من ذكر الله خطباً. ليكفنى القليل ويكفنى، فكأنى بالوقت وقد فنى، وقرب غسلى وكفني، وأشفيت على أمر شفني، وقدمت إلى من عرفني، فأغنى الواصف أن يصفنى، ونزلت من اللحد صبباً. ودفنت في الرض فنسيت، وتمزق الذي كسيت، لو شاهدت ذلك لأسيت؛ لكن أصبحت وأمسيت، لا عسانى قلت ولا عسيت، أهون بي مغيباً. وربما أضجعني الملحد على رمم ميتٍ قبلى لو نطق لم يقل مرحباً. وتجيء جيل بقدر الله إن شاء فتكشف عنى التراب لتغدو بي جرواً حوشباً. عرفاء تحترف، وتعرف بذلك وتعترف، أن لها عندي مطلباً. وغشيها رداء الصبح تعتمل، فرآها خبير بكر لإثارة الأرض فزجرها مغضباً. شغلني عن النسب وقول في النسب أنى أسلك من الحمام نيسباً. أذهب النوم وأطال الأرق وأفل رغبتى في الشرف أنى لا أجد عن ذلك مذهباً. جل البارئ! هل تحمل هذه النكبة منكبا أضاخٍ. غاية.

تفسير: الهدال: ما تدلى من أغصان الشجر والورق؛ قال الراجز:

يا رب ماء لك بالأجبال ... أجبال سلمى الشمخ الطوال

طامٍ عليه ورق الهدال ... بغيبغٍ ينزع بالعقال

البغيبغ: القريب المنتزع. والهدل: استرخاء المشفر. والخدل: أن يكثر لحم الساق ويدق عظمها. متهب: من أتهب إذا أخذ الهبة وقبلها. أربع عشرة: قيل لان التأنيث يغلب التذكير في التاريخ؛ يقال: أقمنا خمساً بين يومٍ وليلةٍ؛ وقال النابغة الجعدى:

أقامت ثلاثاً بين يومٍ وليلةٍ ... وكان النكير أن تضيف وتجأرا

تضيف بضم التاء من أضاف إذا أشفق، وقيل تضيف تأتي بمدوٍ بعد عدوٍ. ومن روى تضيف بفتح التاء أراد تميل. والمتقدمون يزعمون أن أصناف الرياح بعدد البروج يهب من كل برج ريح. صبباً أي حدوراً؛ ومنه الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان كأنه يمشي في صببٍ. لأسيت: لحزنت. وجبل: الضبع. والحوشب: العظيم البطن؛ قال الأعلم الهذلى:

وتجر مجرية لها ... لحمي إلى أجر حواشب

تحترف: تكتسب، وتوصف الضبع بأنها عرفاء: لها عرف. والخبير: الأكار؛ ومنه اشتقاق المخابرة في الفقه. والنسب. جمع نسبةٍ وهي الغزل. والنيسب: الطريق الواضح. وأضاخ: جبل. ومنكباه: ناحيتاه.

رجع: لعلى أهلك بقفر، بين وحشٍ وسفرٍ، فأشبه في ذلك جندباً. في قدرة ربك أن تقول الممرية: إن المرء غصبني، خلبني واحتلبني، جزوبرى وشرب لبنى، ونحر سقبى فكربني، وإلى القاصية ركبنى، فلما رأى الكبر ثلبني، أبعدني عنه وألبني، وعن حوض الواردة ضربني، لا يحسن ذلك أدباً. إن الغضاة، تنبت بالأضاة، والأغربة، تقع على الوذام التربة. إن الله منجز الوعود، بعث سحاباً ذا رعودٍ، أشرف بمثل الفند، ولعب بسيوف الهند، والقدرة أرتك البارق ملتهباً. فأراق، على نبتٍ راق، حمل نميراً، فكان للخصب أميراً، أنبت بارضاً وغميراً، فسبحان الخالق غافراً ومعذباً. الرشد دفين، أم أنا أفين؟ قد عشت زمناً فمارشت. أبركى يا مطية فهذا المناخ. غاية.

تفسير: جندب هو أبو ذر رحمة الله عليه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. والممرية: الناقة التي لا تدر حتى يمرى ضرعها أي يمسح عند الحلب. خلبني: خدعني. فكربنى: من الكرب وهو أشد الغم. ويقال ثلبه إذا ثلمه؛ ومنه قيل للبعير إذا أسن ثلب، كأن الكبر ثلمه؛ قال الشاعر:

ألم تر أن الناب تحلب علبةً ... ويترك ثلب لا ضراب ولا طهر

<<  <   >  >>