للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وصدقات النَّفْل) سنة لقَوْله تَعَالَى {من ذَا الَّذِي يقْرض الله قرضا حسنا} الاية وَلخَبَر (مَا تصدق اُحْدُ من كسب طيب إِلَّا أَخذهَا الله بِيَمِينِهِ فيربيها كَمَا يربى أحدكُم فلوه أَو فَصِيله حَتَّى تكون أعظم من الْجَبَل) وَخبر (ليتصدق الرجل من ديناره ليتصدق من درهمه وليتصدق من صَاع بره) رَوَاهُمَا مُسلم وَخبر كل امْرِئ فِي ظلّ صدقته حَتَّى يفصل بَين النَّاس رَوَاهُ ابْن حبَان وَالْحَاكِم وصححاه وهى (فِي الْإِسْرَار) بِكَسْر الْهمزَة أَي السِّرّ (أولى) مِنْهَا فِي الْجَهْر لقَوْله تَعَالَى (أَن تبدوا الصَّدقَات) الْآيَة وَلما فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي خبر السَّبْعَة الَّذين يظلهم الله تَحت ظلّ عَرْشه من قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَرجل تصدق بِصَدقَة فأخفاها حَتَّى لَا تدرى شِمَاله مَا أنفقت يَمِينه وَهَذَا بِخِلَاف الزَّكَاة فَإِن إظهارها أفضل (و) الصَّدَقَة (فِي قَرِيبه وَأَن لَزِمته نَفَقَته أولى مِنْهَا فِي غَيره لخَبر الصَّدَقَة على الْمِسْكِين صَدَقَة وعَلى ذى الرَّحِم ثِنْتَانِ صَدَقَة وصلَة رَوَاهُ الترمذى وَحسنه وَالْحَاكِم وَصَححهُ (و) الصَّدَقَة فِي (الْجَار) أولى مِنْهَا فِي غَيره لخَبر البُخَارِيّ عَن عَائِشَة (قلت يَا رَسُول الله أَن لى جارين فَإلَى ايهما أهْدى قَالَ إِلَى أقربهما مِنْك بَابا) (و) الصَّدَقَة (وَقت حَاجَة) أَي أمامها أولى من غَيره لِأَنَّهُ أقرب إِلَى قَضَائهَا وَإِلَى الْإِجَابَة (و) الصَّدَقَة (فِي شهر رَمَضَان) أَي رَمَضَان أولى مِنْهَا فِي غَيره لخَبر البُخَارِيّ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ أَجود مَا يكون فِي رَمَضَان وَخبر الترمذى سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَي الصَّدَقَة أفضل قَالَ صَدَقَة فِي رَمَضَان وَلِأَن النَّاس فِيهِ مشغولون بالطاعات فَلَا يتفرغون لمكاسبهم وتتأكد الصَّدَقَة أَيْضا عِنْد الْأُمُور المهمة وَفِي الْغَزْو وَالْحج والكسوف وَالْمَرَض وَالسّفر وَسَائِر الْأَوْقَات الفاضلة كعشر ذِي الْحجَّة وَأَيَّام الْعِيد وَفِي الْأَمَاكِن الشَّرِيفَة كمكة وَالْمَدينَة وَبَيت الْمُقَدّس وَالْأولَى أَن يبْدَأ بذى رحم محرم الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب وَالْحق بهم الزَّوْجَات ثمَّ بذى رحم غير محرم كأولاد الْعم وَالْخَال ثمَّ بمجرم الرَّضَاع ثمَّ الْمُصَاهَرَة ثمَّ الْمولى من أَعلَى ثمَّ الْمولى من أَسْفَل الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب ثمَّ جَار أقرب ثمَّ أبعد وَيقدم قريب بَعدت دَاره على جَار أَجْنَبِي إِلَّا أَن يكون خَارج الْبَلَد فَيقدم الْأَجْنَبِيّ ويقصد بِصَدَقَتِهِ من أَقَاربه أَشَّدهم لَهُ عَدَاوَة لخَبر الدارقطنى أفضل الصَّدَقَة الصَّدَقَة على ذى الرَّحِم الْكَاشِح إِذْ المُرَاد بالكاشح الْعَدو كَمَا جزم بِهِ الهروى وليتالف قلبه وَلما فِيهِ من سُقُوط الرِّيَاء وَكسر النَّفس وَيكرهُ التَّصْدِيق بالردئ وَبِمَا فِيهِ شُبْهَة وَيَنْبَغِي أَن لَا يمْتَنع من الصَّدَقَة بِالْقَلِيلِ أحتقارا لَهُ وَيسن أَن يَدْفَعهَا بِطيب نفس وَأَن يتَصَدَّق بِمَا يُحِبهُ وتتأكد بِالْمَالِ وَيحرم الْمَنّ بهَا وَيبْطل بِهِ ثَوَابهَا وَتحل لغنى وَكَافِر وَينْدب للغنى التَّنَزُّه عَنْهَا وَيكرهُ لَهُ التَّعَرُّض لَهَا وَيحرم عَلَيْهِ أَخذهَا مظْهرا للفاقة وَعَلِيهِ حمل قَوْله صلى عَلَيْهِ وَسلم فِي الذى مَاتَ من أهل الصّفة فوجدوا لَهُ دينارين (كَيَّتَانِ من نَار) وَأما سؤالهما فَإِن كَانَ مُحْتَاجا لم يحرم وَإِن كَانَ غَنِيا بِمَال أَو صَنْعَة فَحَرَام وَمَا ياخذه حرَام وَيكرهُ لمن تصدق بِشَيْء أَن يَتَمَلَّكهُ من جِهَة الْمَدْفُوع لَهُ بمعاوضة أَو هبة وَلَا بَأْس بِملكه مِنْهُ بالأرث وَلَا بتملكه من غَيره (وَهُوَ) أَي التَّصَدُّق (بِمَا أحتاج) إِلَيْهِ (عِيَاله) الَّذين تلْزمهُ مؤنتهم (حرَام) وَكَذَا يحرم عَلَيْهِ التَّصَدُّق بِمَا يَحْتَاجهُ لدين لَا يَرْجُو لَهُ وَفَاء لِأَن كلا مِنْهُمَا حق وَاجِب فَلَا يتْرك لسنة فَإِن رجا وفاءه من جِهَة أُخْرَى واستند ذَلِك إِلَى سَبَب ظَاهر فَلَا بَأْس بالتصدق أما التَّصَدُّق بِمَا يَحْتَاجهُ لمؤنة نَفسه فصحح فِي الرَّوْضَة عدم اسْتِحْبَابه وَفِي الْمَجْمُوع تَحْرِيمه (وفاضل الْحَاجة) أَي حَاجَة دينه وَمؤنَة نَفسه وممونه (فِيهِ) أَي فِي التَّصَدُّق بِهِ (أجر لمن لَهُ على اضطرار صَبر بِلَا مشقة لقضية الصّديق فِي التَّصَدُّق بِجَمِيعِ مَاله وَقبُول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَلِك مِنْهُ صَححهُ الترمذى فَإِن شقّ عَلَيْهِ الصَّبْر على الأضطرار والفاقة فَلَيْسَ لَهُ فِي التَّصَدُّق أجر لِأَنَّهُ غير مُسْتَحبّ حِينَئِذٍ بل هُوَ مَكْرُوه وَأما قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ط خير الصَّدَقَة مَا كَانَ عَن ظهر غنى فَالْمُرَاد بِهِ غنى النَّفس وصبرها على الْفقر قَالَ بعض الْمُتَأَخِّرين وَالظَّاهِر أَن المُرَاد بِمَا يَحْتَاجهُ مَا يلْزمه من نَفَقَة ليومه وَكِسْوَة لفصله لَا مَا يلْزمه فِي الْحَال فَقَط وَلَا مَا يلْزمه فِي سنة بِأَن يدّخر قوتها وَيتَصَدَّق بالفاضل

<<  <   >  >>