فَسَادَ الدِّينِ وَالْعِرْضِ، وَقَدْ ضَرَبَ عَلَيْهِ السَّلامُ لِذَلِكَ مَثَلاً مَحْسُوساً أَنَّ الْمُلُوكَ لَهُمْ أَحْمِيَةٌ لا يُتَجَاسَرُ عَلَيْهَا وَلا يُدْنَى مِنْهَا مَهَابَةً مِنْ سَطْوَتِهِمْ، وَخَوْفاً مِنَ الْوُقُوعِ فِي حَوْزَتِهِمْ، وَأَنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمَهُ، فَمَنْ تَرَكَ مِنْهَا مَا قَرُبَ فَهُوَ مِنْ تَوَسُّطِهَا أَبْعَدُ، فَالْمُؤْمِنُ يَكُونُ عَلَى حَذَرٍ وَيُجَانِبُ كُلَّ مَا كَرِهَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مِنْ فِعَالٍ وَمَقَالٍ، وَلا يَضِيعُ مَا لِلَّهِ عَلَيْهِ فِي قَلْبٍ أَوْ جَارِحَةٍ.
وَسِتٌّ فِي جَمِيعِ الأَفْعَالِ قَبْلَ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ، وَيَمْنَعُ نَفْسَهُ مِنَ الإِمْسَاكِ عَنِ الْفَرْضِ، وَيُسَارِعُ إِلَى أَدَائِهِ.
الْوَاجِبُ: تَرْكُ مَا يُنْهَى عَنْهُ مِنَ الْعَقْدِ بِالْقَلْبِ عَلَى الضَّلالِ وَالْبِدَعِ وَالْغُلُوِّ فِي الْقَوْلِ عَلَيْهِ بِغَيْرِ الْحَقِّ، وَلا يَعْتَقِدُ إِلا الصَّوَابَ، وَأَنْ يَتْرُكَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَيَتْرُكَ بَعْضَ الْحَلالِ الَّذِي يَكُونُ سَبَباً وَذَرِيعَةً إِلَى الْحَرَامِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ: "لا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنَ الْمُتَّقِينَ حَتَّى يَدَعَ مَا لا بَأْسَ بِهِ حَذَراً مِمَّا بِهِ بَأْسٌ" فَيَتْرُكُ فُضُولَ الْكَلامِ لِئَلا يُخْرِجَهُ إِلَى الْكَذِبِ وَالْغِيبَةِ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ، وَيَتْرُكَ بَعْضَ الْمَكَاسِبِ مِمَّا تَقِلُّ فِيهِ السَّلامَةُ لِلْمُكْتَسِبِينَ، وَيَدَعُ طَلَبَ الإِكْثَارِ مِنَ الْمَالِ خَوْفاً أَلا يَسْلَمَ وَيَكُفَّ عَنْ بَعْضِ الْمَطْعَمِ إِذَا خَشِيَ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ يُبَطِّرُهَا، وَأَنْ يَدَعَ أَنْ يَحْلِفَ صَادِقاً وَهُوَ لَهُ حَلالٌ فَمَا مَخَافَةُ أَنْ يُعَوِّدُ لِسَانَهُ الْيَمِينَ فَيَحْلِفَ كَاذِباً، وَيَدَعُ النُّصْرَةَ مِمَّنْ ظَلَمَهُ مَخَافَةَ أَنْ يَعْتَدِيَ، فَمَا زَالَ التَّقْوَى بِالْمُتَّقِينَ حَتَّى تَرَكُوا كَثِيراً مِنَ الْحَلالِ مَخَافَةَ الْحَرَامِ.
وَأَمَّا تَصْفِيَةُ الْقُوتِ، وَتَرْكُ الاجْتِهَادِ فِيهِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ تَعَالَى: (يَأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ) قَالَ ابْنُ عُبْدُوسٍ: قِوَامُ الدِّينِ طَيِّبُ الْمَطْعَمِ، فَمَنْ طَابَ مَكْسَبُهُ زُكِّيَ عَمَلُهُ وَمَنْ لَمْ يُصَحِّحْ فِي طِيبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute