للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلو كانَ فِعلُكَ ذا في الطّعامِ ... لَزمتُ قياسَكَ في المُسْكِرِ

ولو كنتَ تفعَلُ فِعْلَ الكِرامِ ... صنعتَ صَنيعَ أبي البَخْتَري

تتبّعَ إخوانَهُ في البلادِ ... فأغْنى المُقِلَّ عن المُكثِرِ

فبلغتِ الأياتُ جدَّكَ فبعث الى الرّجل خمسمائة دينار. قال ابن عمّار: فقلت: وقد فعلَ جدُّ هذا الفتى في هذا المعنى ما هو أحسنُ من هذا، قال المُبرّد: وما هو؟ قلت: بلغني أن ابنَ أبي فَنَنٍ افْتَقَر بعد ثروةٍ، فقالت له امرأته: افْتَرِضْ في الجُنْدِ، فأنشأ يقول:

إليكِ عني فقد كلَّفْتِني شَطَطاً ... حَمْلَ السِّلاحِ وقوْلَ الدّارِ عينَ قِفِ

تمشي المنايا الى قومٍ فأكرَهُها ... فكيف أمشي إليها عاريَ الكتِفِ

حَسِبْتُ أنّ نفاد المالِ غيّرني ... أو أن قلْبيَ في جَنْبَيْ أبي دُلَفِ

فأحضرهُ أبو دُلَف وقال له: كم أمّلَت امرأتُكَ أن يكون رزقُك؟ قال: مائةَ دينار، قال: وكمْ أمّلْتَ أن تعيشَ؟ قال: عشرين سنة، قال: فلكَ عليّ الذي أمّلْتَ وأمّلَتِ امرأتُك في مالي دون مالِ السلطان. وأمرَ بدفعِ ذلك إليه. قال: فرأيتُ وجهَ ابن أبي دُلَف يتهلّل، وانكسر ابن أبي البَختري. وقال الآخر:

أسَرْنا كما قد عوّدَتْنا رِماحُنا ... لدَى مَعْرَكِ الخيلينِ، والنَّقْعُ ثائِرُ

أخبر أنه أسَرَ عدواً واستطرد الكلامَ الى أنه معوَّدٌ لذلك. ومنها:

[باب التقسيم]

قال نُصَيْب:

ولمْ أرضَ ما قالتْ، ولم أُبدِ سَخْطَةً ... وضاقَ بما جَمْجَمْتُ من حُبِّها صدري

فقال فريقُ الحيِّ لا، وفريقُهُم ... نعَمْ، وفريقٌ قال ويْحَك ما نَدري

وليس في جوابِ من سألَ عن شيء غير ما ذكرَهُ. وهذا البيتُ رواهُ الأخفشُ على ما أثبتُّه وأعرِفُه من شِعرِه:

فقال فريقُ القومِ لمّا نشدتُهم ... نعَمْ وفريقٌ لَيْمُنُ اللهِ ما نَدري

وقال الشمّاخ يصفُ صلابةَ سنابِكِ الحمارِ وشدةَ رهْصِهِ الأرض:

متى ما تقَعْ أرساغُهُ مُطمَئنّةً ... على حجَرٍ يرفضُّ أو يتدحْرَجُ

وليس في وصفِ الوطء الشديد إلا أن يكون الذي يوطأ رخْواً فيرفَضُّ، أو صُلباً فيتدحرج. وقال زهير:

يطْعَنُهُمْ ما ارتَمَوْا، حتى إذا اطّعنوا ... ضارَبَ، حتى إذا ما ضارَبوا اعْتَنَقا

وقال عنترة:

إنْ يَلْحقوا أكرُرْ، وإن يسْتَلْحِموا ... أشْدُدْ، وإن يُلْفَوْا بضَنْكٍ أنزِلِ

وقال عمر بن أبي ربيعة المخزومي:

تَهيمُ الى نعمٍ، فلا الشملُ جامعٌ ... ولا الحبْلُ موصولٌ، ولا الحبُّ مُقْصِرُ

ولا قُرْبُ نُعْمٍ، إنْ دنَتْ، لك نافِعٌ ... ولا نأيُها يُسْلي، ولا أنتَ تَصْبِرُ

فأخذ الخارجيّ هذا المعنى فقال:

وكذّبتُ طَرْفي فيكِ والطرفُ صادِقٌ ... وأسمَعْتُ أذني فيكِ ما ليس تسمعُ

ولم أسكُنِ الأرضَ التي تَسْكُنينَها ... لكَيْلا يقولوا: صابِرٌ ليس يجْزَعُ

فلا كمَدي يفْني، ولا لكِ رحمةٌ ... ولا عنكِ إقْصارٌ، ولا فيكِ مطْمَعُ

وقال قيسُ بن ذَريح:

فإنْ تكُنِ الدُّنيا بلبْنى تقلّبَتْ ... فللدّهْرِ والدنيا بطونٌ وأظْهُرُ

لقد كان فيها للأمانةِ موضِعٌ ... وللقلبِ مُرْتادٌ وللعينِ منْظَرُ

وللحائمِ الصَّدْيانِ رِيٌّ بقُرْبِها ... وللمَرحِ الذّيّالِ طِيبٌ ومَسْكَرُ

وقد استحسن أهلُ الصناعةِ في هذا الباب قوْلَ بشّار بن برد، وهو:

بضَرْبٍ يَذوقُ الموْتَ من ذاقَ طعْمَهْ ... وتدركُ من نجَّى الفِرارُ مثالِبُهْ

فراحوا، فريقٌ في الإسار، ومثلُهُ ... قتيلٌ، ومثلٌ لاذَ بالبحرِ هارِبُهْ

وقالوا: ليسَ في وصفِ من وقع به الظّفرُ ودارَتْ رحَى الحربِ عليه زيادةٌ على ما ذكرَهُ، ومنها:

بابُ التسهيم

<<  <   >  >>