للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

متى أبكِ إفلاساً وبؤساً وفاقةً ... يقولون لا تهلِكْ أسىً وتجمَّلِ

لقد طالَ تَردادي وحبسي عليكمُ ... فهلْ عندَ رسمٍ دارسٍ من معَوَّلِ

خَلُقْتُ على بابِ الأمير كأنني ... قِفا نبْكِ من ذِكرى حَبيبٍ ومنزلِ

وقال آخر:

قال لي عَمرُها وقد غازَلتْني ... لا تُعرّجْ بدارساتِ الطُّلولِ

ومنها:

[باب تجاهل التعارف]

ومعنى تجاهُل التعارفُ أن الشّاعر أو الناثر يسألُ عن شيءٍ يعرفُهُ سؤالَ من لا يعرفُه ليعلمَ أن شدة الشَّبَهِ بالمُشبّه قد أحدثَتْ عنده ذلك، وهو كثير في أشعار العرب وخُطَبِهم. قال ذو الرّمّة:

أقولُ لأُدْمانيّةٍ عوْهَجٍ جرَتْ ... لنا بينَ أعْلى عُرْفَةٍ فالصرائِمِ

أيا ظَبيةَ الوَعْساءِ بيْنَ جُلاجِلٍ ... وبينَ النَّقا آأنتِ أمْ أمُّ سالِمِ

وأنشد ابنُ دريد لبعضِهم:

أعَنِ البدرِ عِشاءً ... رُفِعَتْ تلكَ السُّجوفُ

أمْ عنِ الشّمْسِ تسرّى ... مَوْهِناً ذاك النَّصيفُ

أمْ على لِيتَيْ غَزالٍ ... عُلِّقَتْ تلك الشُّنوفُ

أم أراكَ الحَيْنُ ما لَمْ ... يَرَهُ القومُ الوُقوفُ

فأمّا قوله تعالى: (وما تلك بيَمينِكَ يا موسى؟ قال: هي عصاي) . فالمراد بهذا السؤال مع العلم به، إظهارُ المُعْجزِ الذي لم يكُنْ موسى يعلمُهُ في العَصا، وقد سمّاه أهلُ الصّنعةِ سؤالَ التقرير، وكذلك قولُه تعالى: (وإذ قال الله يا عيسى بنَ مريمَ أأنتَ قُلتَ للناس اتّخذوني وأمّيَ إلَهَيْنِ من دون الله) ، وقد علِم الله تعالى أنه لم يقُلْ ذلك، والمرادُ به توبيخُ من ادّعى ذلك وتكذيبُ من قال به، فهو سؤالُ مُقرِّرٍ لا سؤال مستخبرٍ فاعرفه. ومنها:

[باب المماتنة والإنفاد والإجازة]

أما المماتنة فهي تنازعُ الشّاعِرَيْنِ بينهما بيتاً، يقولُ أحدُهما صدرَه والآخر عجُزَه.

وأما الإنفادُ والإجازة، فالإنفاد، بالدّال غير المعجمة، هو من قولهم: خصْمٌ مُنافِد إذا خاصم حتى تنفَدَ حُجّتَه. وتقول: نافدتُ الرّجُلَ، مثل حاكمتُه. وفي الحديث: إن نافَدْتَهُمْ نافَدوك. وهو أن يقول الشاعرُ بيتاً تاماً ويقول الآخرُ بيتاً.

وأما المماتَنة فقد رُويَ أنّ غلاماً من بني جَنْب يُقال له رِفاعة، ويقال: إنّه المحترشُ، نبغ في الشِّعر وماتَنَ شُعراءَ قومِه حتى أبرَّ عليهم. فلمّا وثِقَ من نفسِه بذلك قال لأبيه: لأخرُجَنّ في قبائلِ اليمن؛ فإنْ وجدتُ من يماتِنُني رجعتُ الى بلادي، وإنْ لم أصادفْ من يماتنُني تقرَّيْتُ قبائلَ العرب كلَّها. فنزل بصِرْمٍ من بني نهْد، والحيُّ خُلوف، فأناخ حَجْرةً عن الحِواء فإذا عجوز حَيْزبون قد أقبَلَتْ تتوكأ على مِحْجَن فقالت: عِمْ ظلاماً، فقال: نعم ظلامُك، فقالت: ممّن الرجل؟ فقال: من مَذْحِج، قالت: من أيّهم؟ قال: من جَنْب، قالت: أضَيْفٌ؟ قال: نَعَمْ، قالت: فلا رحِمَكَ الله، ما عدَوْتَ أن بخَّلتَنا وأسأتَ أحدوثتَنا، ثم أثارتْ راحتلَه وقالت: قُم الى قُبة أضيافنا. فما ملّكتْهُ راحلتَه حتى أتت بها القبة فأناخَتْها ثم حطّت رحلَهُ وكفَتتْهُ في خبائها وأمرت وليدةً لها فجاءتْ بمُدْيَة وعَتود يمْرَحُ في إهابِه سِمَناً وقالت: اذبحْ أيّها الرجل، واعتجنَتْ وامتلّت وطبخَتْ، وقرّبتْ طعاماً، فجلسَ الرجلُ والعجوزُ والوليدةُ يأكلون. فقالت له العجوز: ما رَمى بك هذه البلاد؟ فأخبرَها بخبره، فضحكَتْ وقالت: بِتْ ناعماً أجِئْكَ غداً بعشر خرائدَ يُماتِنَّك دون الرجال، فإنْ غُلبْتَ فارجعْ الى بلادِك. فلما أصبح أقبَلَتِ العجوزُ ومعها ثلاثُ فتيات كالمهرات، فانتبَذْن حَجْرةً، ثم أشارت الى واحدة منهنّ فأقبلتْ كالعَيْدانةِ يُميلها الصِّبا فقالت: أأنتَ المُتحدّي بالمُماتنة؟ فقال: نعم، فقالت: قُل أسمَعْ، فقال:

سَوامٌ تداعَتْ بالحَنينِ عشارُها

فقالت:

حوامل أثقالٍ تنوءُ فتدلحُ

فقال:

إذا أيّهت في حَجْرَتَيْها رِعاؤها

فقالت:

سمَتْ فُرَّقٌ منها شوامذ لُقَّحُ

فقال:

إذا وطِئَتْ أرضاً سقَتْها بدَرِّها

فقالت:

أفاويقُ مِسْكٍ محضه لا يُضيَّحُ

فقال:

<<  <   >  >>