للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فزادَ تشبيهاً هو من تَمامِ المعنى، فتساويا؛ هذا بقِدمَتِه، وهذا بزيادته، ومثلهُ كثير.

التاسع: المماثلةُ في الكلام حتى لا يفضل نِظامٌ على نظام. قال حسّان بن ثابت:

يُغْشَوْن حتى ما تهِرُّ كِلابُهم ... لا يسألونَ عن السّوادِ المُقبِل

أخذَهُ الحَكميّ فقال:

الى بيتِ حانٍ لا تهِرُّ كلابُه ... عليّ، ولا يُنْكِرْنَ طولَ ثوائي

لا فرق بين المعنيين ولا الكلامين فقد تماثلا.

العاشر: رُجحانُ لفظِ الآخذ على المأخوذ منهُ وتفضيلُ معناه على معنى أصدره عنه. قال النابغة:

سقَطَ النّصيفُ ولم تُرِدْ إسقاطَه ... فتناولَتْهُ واتّقَتْنا باليَدِ

أخذَه أبو حَيّة النُميريّ فقال:

فألْقَتْ قِناعاً دونَه الشمسُ واتّقَتْ ... بأحسَنِ موصولين: كفٍ ومِعصمِ

فلم يزِدْ النابغةُ على الإخبارِ باتقائها بيدِها لمّا سقطَ نصيفُها، فزادَ عليهِ أبو حيّة بقوله: دونَه الشمسُ، وخبّر عن الاتقاء بأحسن خبر، من حُسْنِ كفٍّ وحُسْنِ معصَمٍ، فرجَحَ كلامُه وعَلا نِظامُه.

وأما المذمومُ من السّرقةِ فعشرةُ وجوه أيضاً: الأول: نقلُ اللفظِ القصيرِ الى الطويل الكثير. قال الحَكَميّ:

لا تُسْدِينّ إليّ عارِفةً ... حتى أقومَ بشكرِ ما سَلَفا

أخذَه دِعْبل فقال:

تركتُكَ، لم أتركْكَ كُفْراً لنعمةٍ ... وهل يُرتَجى نيْلُ الزّيادةِ بالكُفْر

ولكنني لما رأيتُكَ راغِباً ... وأفرطتَ في برّي عجَزْتُ عن الشُكر

الشعرُ جيدُ المعنى واللفظ، ولكنه أتى به في تطويل وتضمين، فنقل القصيرَ الى الطويل، وذلك مذمومٌ في السّرقَة.

الثاني: نقْلُ الرصين الجَزْل الى المُسْتَضْعفِ الرّذْل. قال الأول:

ولقد قتَلتُك بالهجاء فلم تَمُتْ ... إنّ الكِلابَ طويلةُ الأعمارِ

ما زالَ ينبَحني ليَشْرُفَ جاهِداً ... كالكلبِ ينبَحُ كامِلَ الأقمارِ

أخذَه ابنُ طاهر فقال:

وقد قتلناكَ بالهجاءِ ... ولكنّك كلبٌ معَقَّفٌ ذَنبُه

فجمَع بين قُبحِ السّرقة، وضعْفِ العبارة، ولا وجهَ لذكر التعقيفِ في الذنَب، لأنه غيرُ دالٍ على طول العمر، وهذا ظاهرٌ ومثلُه كثير.

الثالث: نقْلُ ما حسُنَ معناهُ ومبناهُ الى ما قَبُح مبناهُ ومعناه. قال الكندي:

ألمْ تَرَ أنّي كلما جِئْتُ طارِقاً ... وجدتُ بها طِيباً وإنْ لم تَطَيَّبِ

أخذه بشار فقال:

وإذا أدْنَيْتَ منها بَصَلاً ... غلبَ المِسكُ على ريحِ البَصَل

وهذا أنزلُ شعرٍ في الرذالةِ، كما أنّ بيتَ الكندي أرفعُ بيتٍ في الجَوْدَة والجزالة، وقد أخذ كُثيِّرٌ المعنى، فطوّل وضمّن وقصّر، وزعمَ أنهاإذا تبخّرَتْ كانت كالروضة في طيبها. ولا يُعدَم هذا في أسهَكِ البشرِ جسماً وأوضَرهم حالاً، وشعرُهُ معروف.

الرابع: عكس ما يصيرُ بالعكس هجاءً بعدَما كان ثناءً. قال حسّان بن ثابت:

بيضُ الوجوهِ كريمةٌ أحسابُهم ... شُمُّ الأنوفِ من الطّرازِ الأوّلِ

أخذَه ابنُ أبي فنن فعكسه فقال:

سودُ الوجوهِ لئيمةٌ أحسابُهم ... فُطْسُ الأنوفِ من الطراز الآخر

الخامس: نقْلُ ما حسُنَتْ أوزانُه وقوافيه الى ما قبُحَ وثَقُل على لسان راويه. قال الحكمي:

دعْ عنكَ لَوْمي فإنّ اللومَ إغراءُ ... وداوِني بالتي كانتْ هيَ الداءُ

أخذَه الطائي فقال:

قدْكَ اتَئِبْ أربَيْتَ في الغُلَواءِ ... كمْ تعذِلونَ وأنتُم سُجَرائي

فالحكَمي زَجَر عذولَه زجْراً لطيفاً، أعلمَه أن اللّومَ إغراء، وشغل عجُزَ بيتِه بمعنى آخر، بكلامٍ رطْبٍ، ومعنىً عذْبٍ والطائي زجَرَ عذولَه بلفظٍ مُتعسّفٍ تصعُبُ راويتُهُ، وتُستكرَهُ قافيتُه.

السادس: حذفُ الشاعر من كلامِه ما هو من تَمامه. قال الكِنْدي:

نظَرَتْ إليكَ بعينِ جازِئَةٍ ... حوْراءَ حانِيةٍ على طِفْلِ

أخذَهُ المُسيّبُ بن علَس فقال:

نظرَتْ إليكَ بعينِ جازِئَةٍ ... في ظِلِّ فاردةٍ من السِّدْرِ

<<  <   >  >>