وَذكر ابْن الْجَوْزِيّ من هَذَا كثيرا ثمَّ قَالَ هَذَا قدر الِانْتِصَار لاختيارنا لمَذْهَب أَحْمد وَرَحْمَة الله على الْكل وَلِلنَّاسِ فِيمَا يعشقون مَذَاهِب
وَكَانَ الإِمَام أَبُو الْوَفَاء عَليّ بن عقيل الْبَغْدَادِيّ يَقُول هَذَا الْمَذْهَب يَعْنِي مَذْهَب أَحْمد إِنَّمَا ظلمه أَصْحَابه لِأَن أَصْحَاب أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ إِذا برع أَحْمد مِنْهُم فِي الْعلم تولى الْقَضَاء وَغَيره من الولايات فَكَانَت الْولَايَة سَببا لتدريسه واشتغاله بِالْعلمِ
فَأَما أَصْحَاب أَحْمد فَإِنَّهُ قل فيهم من يعلم بِطرف من الْعلم إِلَّا ويخرجه ذَلِك إِلَى التَّعَبُّد والتزهد لغَلَبَة الْخَيْر على الْقَوْم فينقطعون عَن التشاغل بِالْعلمِ انْتهى
وَهَذَا غَايَة مَا وَقع اختيارنا عَلَيْهِ من القَوْل فِي هَذَا الْمَوْضُوع ليعلم المتبع لمَذْهَب مَا لأي معنى اتبعهُ ولأي برهَان اخْتَارَهُ دون غَيره فَلَا يكون مُتبعا للهوى والتقليد الْأَعْمَى الضار والتعصب الذميم وَالله الْمُسْتَعَان
تَنْبِيه لَا يذهب بك الْوَهم مِمَّا قدمنَا إِلَى أَن الَّذين اخْتَارُوا مَذْهَب أَحْمد وقدموه على غَيره من الْأَئِمَّة وهم من كبار أَصْحَابه أَنهم اخْتَارُوا تَقْلِيده على تَقْلِيد غَيره فِي الْفُرُوع فَإِن مثل هَؤُلَاءِ يَأْبَى ذَلِك مسلكهم فِي كتبهمْ ومصنفاتهم بل المُرَاد بِاخْتِيَار