ثمَّ الهوية فِي الشَّاهِد كِنَايَة عَن الْوُجُود وتأويله نفى الْعَدَم عَنهُ وَالله تَعَالَى لم يزل وَلَا يزَال بِلَا تغير وَلَا زَوَال وَلَا انْتِقَال من حَال إِلَى حَال وَلَا تحرّك وَلَا قَرَار إِذْ هُوَ وصف اخْتِلَاف الْأَحْوَال وَمن تخْتَلف الْأَحْوَال عَلَيْهِ فَهُوَ غير مفارق لَهَا وَمن لَا يُفَارق الْأَحْوَال وَهن أَحْدَاث فَيجب بهَا الْوَصْف بالإحداث وَفِي ذَلِك سُقُوط الوحدانية ثمَّ الْقدَم ثمَّ جرى لتدبير الْغَيْر عَلَيْهِ إِذْ حَال من الْأَحْوَال لَو كَانَت لذاته لم يجز تغيرها مَا دَامَت ذَاته فَثَبت بذلك الْغَيْر لتغير الْأَحْوَال عَلَيْهِ وبنقله من حَال إِلَى حَال وَذَلِكَ دَلِيل تعاليه عَن الْوَصْف بِالْمَكَانِ إِذْ قد ثَبت أَن كَانَ وَلَا مَكَان وَلَيْسَ فِي الْإِضَافَة إِلَى أَنه على الْعَرْش اسْتَوَى تثبيت مَكَان كَمَا لم يكن فِي قَوْله {وَنحن أقرب إِلَيْهِ من حَبل الوريد} وَقَوله {مَا يكون من نجوى ثَلَاثَة إِلَّا هُوَ رابعهم} وَقَوله {وَنحن أقرب إِلَيْهِ مِنْكُم} ذَلِك على أَن القَوْل بِالْمَكَانِ لَيْسَ من نوع التَّعْظِيم والتبجيل بل الْأَمْكِنَة إِنَّمَا شرفت بِهِ وتفاوتت أقدارها بتفضيله مَكَانا على مَكَان يَجعله مَخْصُوصًا لأخيار خلقه أَو لما جعل لعبادته وتعظيمه فِيهِ فَأَما أَن يكون أحد تعلو رتبته بِالْمَكَانِ من مُلُوك الأَرْض أَو الأخيار فَلَيْسَ بِهِ فَكيف بِالْملكِ الْجَبَّار الَّذِي مَا ارْتَفع قدر مَكَان وَلَا جلّ خطره إِلَّا بِهِ وَإِذا كَانَ كَذَلِك بَطل أَن يكون فِي الْإِضَافَة تَعْظِيمه ثمَّ يكون فِيمَا بعد ذَلِك للْحَاجة وَهُوَ يتعالى عَنْهَا فَلذَلِك لم يجب بقوله {الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى} معنى الْكَوْن فِي الْمَكَان إِذْ ذَلِك الْحَرْف يعبر بِهِ عَن الْعُلُوّ والجلال ومحال مثله لَهُ بخلقه فَثَبت أَن ذَلِك من الْوَجْه الَّذِي يسْتَحقّهُ بِذَاتِهِ من الْعُلُوّ والرفعة وَمَا هُوَ بِذَاتِهِ عَلَيْهِ فَهُوَ كَانَ كَذَلِك وَلَا خلق لم يجز الْوَصْف لَهُ بالخلق وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute