وَإِذا ثَبت ذَلِك دلّ أَن إنْشَاء الْعَالم للبقاء لَا للفناء
ثمَّ كَانَ الْعَالم بِأَصْلِهِ مَبْنِيا على طبائع مُخْتَلفَة ووجوه متضادة وبخاصة الَّذِي هُوَ مَقْصُود من حَيْثُ الْعقل الَّذِي يجمع بَين الْمُجْتَمع وَيفرق بَين الَّذِي حَقه التَّفْرِيق وَهُوَ الَّذِي سمته الْحُكَمَاء الْعَالم الصَّغِير فَهُوَ على أهواء مُخْتَلفَة وطبائع مُتَشَتِّتَة وشهوات ركبت فيهم غالبة لَو تركُوا وَمَا عَلَيْهِ جبلوا لتنازعوا فِي تجاذب الْمَنَافِع وأنواع الْعِزّ والشرف وَالْملك وَالسُّلْطَان فيعقب ذَلِك التباغض ثمَّ التقاتل وَفِي ذَلِك التفاني وَالْفساد الَّذِي لَو أَمر كَون الْعَالم لَهُ لبطلت الْحِكْمَة فِي كَونه مَعَ مَا جعل الْبشر وَجَمِيع الْحَيَوَان غير مُحْتَمل للبقاء إِلَّا بالأغذية وَمَا بِهِ قوام أبدانهم إِلَى المدد الَّتِي جعلت لَهُم فَلَو لم يرد بتكوينهم سوى فنائهم لم يحْتَمل إنْشَاء مَا بِهِ بقاؤهم وَإِذ ثَبت ذَا لَا بُد من أصل يؤلف بَينهم ويكفهم عَن التَّنَازُع والتباين الَّذِي لَدَيْهِ الْهَلَاك والفناء
فَلَزِمَ طلب أصل يجمعهُمْ عَلَيْهِ لغاية مَا احْتمل وسعهم الْوُقُوف عَلَيْهِ على أَن الأحق فِي ذَلِك إِذْ علم بحاجة كل مِمَّن يُشَاهد وضرورة كل من المعاين أَن لَهُم مُدبرا عَالما بأحوالهم وَبِمَا عَلَيْهِ بقاؤهم وَأَنه جبلهم على الْحَاجَات لَا يدعهم وَمَا هم عَلَيْهِ من الْجَهْل وَغَلَبَة الْأَهْوَاء مَعَ مَا لَهُم من الْحَاجة فِي معرفَة مَا بِهِ معاشهم وبقاؤهم دون أَن يُقيم لَهُم من يدلهم على ذَلِك ويعرفهم ذَلِك وَلَا بُد من أَن يَجْعَل لَهُ دَلِيلا وبرهانا يعلمُونَ خصوصه بِالَّذِي خصّه بِهِ من الْإِمَامَة
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute