وَفِي صدفهم عَن هَذَا أجمع وَعَن تكلّف مُعَارضَة سُورَة مِنْهُ أَو إِيرَاد مَا قل وَكثر من ذَلِك مَعَ علمهمْ بِخُرُوج نظم الْقُرْآن عَن سَائِر أوزان كَلَامهم ونظومهم أعظم دَلِيل على صدقه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَن ظُهُور الْقُرْآن مِنْهُ وَهُوَ نَشأ مَعَهم وَبَين أظهرهم وَلم يعرفوه بِقصد أهل الْكتاب ومجالسة غير من لقوه وعرفوه والاقتباس مِنْهُ وَلَا انْفَرد بمداخلة فصيح مِنْهُم ومتقدم فِي البراعة واللسن عَلَيْهِم آيَة عَظِيمَة وَأمر خارق للْعَادَة لِأَن مثل ذَلِك لَا يكْتَسب بتَعَلُّم وتدقيق ذكاء وفطنة ولطيف حس وحيلة
وَلَا فرق بَين ذَلِك وَبَين أَن يبيت صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ غير عَالم بلغَة الزنج وَالتّرْك وَغَيرهمَا من اللُّغَات ثمَّ يصبح أفْصح النَّاس بِكُل لُغَة مِنْهَا وأجرأهم فِيهَا مَعَ الْعلم بِأَنَّهُ لم يَأْخُذ ذَلِك عَن أَهلهَا لِأَن خلق الْعلم فِيهِ بذلك وإقدراه عَلَيْهِ فِي يسير الْوَقْت خرق للْعَادَة وخارج عَمَّا عَلَيْهِ بِنَاء الطبيعة وَكَذَلِكَ تعلم هَذِه اللُّغَات واكتساب مَعْرفَتهَا والتمكن من علمهَا وتحصيلها فِي يسير الْوَقْت الَّذِي لَا يكْتَسب فِي مثله الْعلم بعظيم مَا جَاءَ بِهِ آيَة عَظِيمَة وخرق للْعَادَة
فإنزال هَذَا الْكَلَام عَلَيْهِ واضطراره إِلَى إِجْرَاء لِسَانه أَو خلق لطبيعة يتَمَكَّن بهَا من إِدْرَاك هَذَا النّظم ورصفه وَبَيَانه من أظهر الْآيَات وَأبين الدلالات لِأَن التَّمَكُّن من تعلم ذَلِك بِكُل لَطِيفَة فِي يسير الْوَقْت مِمَّا لم تجر الْعَادة بِمثلِهِ نقض لَهَا وَالله سُبْحَانَهُ لَا يظْهر الْآيَات إِلَّا لما ذكرنَا من الْقَصْد إِلَى الدّلَالَة على صدق الرُّسُل عَلَيْهِم السَّلَام
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute