(موَالِي حلف لَا موَالِي قرَابَة ... وَلَكِن قطينا يعصرون الصنوبرا) فَأَما مَا قصد بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقوله (من كنت مَوْلَاهُ فعلي مَوْلَاهُ) فَإِنَّهُ يحْتَمل أَمريْن أَحدهمَا من كنت ناصره على دينه وحاميا عَنهُ بظاهري وباطني وسري وعلانيتي فعلي ناصره على هَذَا السَّبِيل فَتكون فَائِدَة ذَلِك الْإِخْبَار عَن أَن بَاطِن عَليّ وَظَاهره فِي نصْرَة الدّين وَالْمُؤمنِينَ سَوَاء وَالْقطع على سَرِيرَته وعلو رتبته وَلَيْسَ يعْتَقد ذَلِك فِي كن نَاصِر للْمُؤْمِنين بِظَاهِرِهِ لِأَنَّهُ قد ينصر النَّاصِر بِظَاهِرِهِ طلب النِّفَاق والسمعة وابتغاء الرفد ومتاع الدُّنْيَا فَإِذا أخبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن نصْرَة بعض الْمُؤمنِينَ فِي الدّين وَالْمُسْلِمين كنصرته هُوَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قطع على طَهَارَة سَرِيرَته وسلامة بَاطِنه وَهَذِه فَضِيلَة عَظِيمَة
وَيحْتَمل أَيْضا أَن يكون المُرَاد بقوله فَمن كنت مَوْلَاهُ فعلي مَوْلَاهُ أَي من كنت محبوبا عِنْده ووليا لَهُ على ظاهري وباطني فعلي مَوْلَاهُ أَي إِن ولاءه ومحبته من ظَاهره وباطنه وَاجِب كَمَا أَن ولائي ومحبتي على هَذَا السَّبِيل وَاجِب فَيكون قد أوجب مولاته على ظَاهره وباطنه ولسنا نوالي كل من ظهر مِنْهُ الْإِيمَان على هَذِه السَّبِيل بل إِنَّمَا نواليهم فِي الظَّاهِر دون الْبَاطِن
فَإِن قيل فَمَا وَجه تَخْصِيصه بِهَذَا القَوْل وَقد كَانَ عنْدكُمْ فِي الصَّحَابَة خلق عَظِيم ظَاهِرهمْ كباطنهم قيل لَهُ يحْتَمل أَن يكون بلغَة صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قدح قَادِح فِيهِ أَو ثلب ثالب أَو أخبر أَن قوما من أهل النِّفَاق والشراة سيطعنون عَلَيْهِ ويزعمون أَنه فَارق الدّين وَحكم فِي أَمر الله تَعَالَى الْآدَمِيّين ويسقطون بذلك ولَايَته ويزيلون ولاءه فَقَالَ ذَلِك فِيهِ لينفي ذَلِك عَنهُ فِي وقته وَبعده لِأَن الله تَعَالَى لَو علم أَن عليا سيفارق الدّين بالتحكيم أَو غَيره على مَا قرف بِهِ لم يَأْمر نبيه أَن يَأْمر النَّاس باعتقاد ولَايَته ومحبته على ظَاهره وباطنه وَالْقطع على طَهَارَته وَهُوَ يعلم أَنه يخْتم عمله بمفارقة الدّين لِأَن من هَذِه سَبيله فِي مَعْلُوم الله تَعَالَى فَإِنَّهُ لم يكن قطّ وليا لله وَلَا مِمَّن يسْتَحق الْولَايَة والمحبة