قوى مركوزة فِي الْأَجْسَام وان الصُّورَة إِذا كَانَت حَاصِلَة فِي القوى وَلم تغب عَنْهَا وان الانسان يدْرك صورا عقلية ثمَّ تغيب عَنهُ وان أَرَادَ ان يعود اليها يعود على قرب من غير تكلّف اكْتِسَاب بل يحْتَاج إِلَى الاقبال عَلَيْهَا فَهَذِهِ الصُّور الْعَقْلِيَّة الَّتِي غَابَتْ إِمَّا أَن تكون قد انعدمت فَيَنْبَغِي ان يحْتَاج إِلَى الِاكْتِسَاب كَمَا كَانَ أَولا يحْتَاج إِلَيْهِ وان لم تنعدم فاما ان تكون فِي النَّفس أَو فِي الْبدن اَوْ خَارِجا فان كَانَت فِي النَّفس فَيَنْبَغِي ان تكون شاعرة بهَا عَاقِلَة لِأَنَّهُ لَا معنى للتعقل إِلَّا حُصُول تِلْكَ الصُّورَة فِي النَّفس وَلَا يجوز ان تكون فِي الْبدن لما ذكرنَا ان المعقولات لَا تحل الْأَجْسَام وَمَا فِي الاجسام وان كَانَت خَارِجَة فاما ان تكون قَائِمَة بِنَفسِهَا أَو تكون فِي جَوْهَر آخر شَأْنه إفَاضَة المعقولات على الْأَنْفس البشرية وَلَا يجوز ان تكون قَائِمَة بِنَفسِهَا لِأَن الْمعَانِي قِيَامهَا بالجوهر فَلَا تقوم بِنَفسِهَا فَبَقيَ أَن تكون فِي الْجَوْهَر المفيض للمعقولات فَثَبت بِهَذَا وجود ملك شَأْنه مَا ذَكرْنَاهُ وَذَلِكَ هُوَ الْعقل الفعال وَهُوَ روح الْقُدس
ثمَّ الدَّلِيل على ان التعقل لَا يكون غير التمثل فانها لَو غَابَتْ عَنْهَا ثمَّ عاودتها لَا يحصل غير التَّمْثِيل فَلَو كَانَ هَذَا التَّمْثِيل ثَابتا للنَّفس كَانَت شاعرة بهَا عَاقِلَة لَهَا فَيجب ان تكون الصُّورَة قد زَالَت عَن النَّفس زوالا مَا وَهَذَا بِخِلَاف مَا يُدْرِكهُ الْوَهم ثمَّ يغيب عَنْهَا فان للقوة الوهمية خَازِنًا يحفظ مدركاتها فَمَتَى غَابَتْ عَن الْوَهم والتفت اليها اخذ مِنْهُ الْمعَانِي الَّتِي استفادت من الصُّور
نعم لاننكر ان الزَّوَال يكون على قسمَيْنِ فَتَارَة يَزُول عَن الْقُوَّة الدراكة ويتحفظ فِي قُوَّة اخرى كالخازن لَهَا وَتارَة يَزُول عَن الْقُوَّة وَعَن الخازن فَفِي الْوَجْه الثَّانِي يحْتَاج إِلَى تجشم كسب جَدِيد وعَلى الأول لَا يحْتَاج الى كسب بل إِلَى التَّفَاوُت ومطالعة للخزانة من غير تجشم كسب وَفِي المعقولات يحْتَمل الْقسمَيْنِ وَلَكِن قد بَينا انه لَا خَازِن لَهَا لَا فِي النَّفس وَلَا فِي الْبدن فَبَقيَ ان يكون شَيْئا خَارِجا إِذا وَقع بَين نفوسنا وَبَينه اتِّصَال مَا ارتسم مِنْهُ فِيهَا الصُّور الْعَقْلِيَّة الْخَاصَّة بذلك الاستعداد لأحكام خَاصَّة