للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالخيالات الَّتِي هِيَ معقولات بِالْقُوَّةِ تصير معقولات بِالْفِعْلِ لَا أَنْفسهَا بل مَا يلتقط عَنْهَا كَمَا ان الْأَثر المتأدي بِوَاسِطَة الضَّوْء من الصُّور المحسوسة لَيْسَ هُوَ نفس تِلْكَ الصُّور بل شَيْئا آخر مناسبا لَهَا يتَوَلَّد بتوسط الضَّوْء فِي الْقَابِل الْمُقَابل كَذَلِك النَّفس الناطقة إِذا طالعت تِلْكَ الصُّور الخيالية واتصل بهَا نور الْعقل الفعال ضربا من الِاتِّصَال استعدت لِأَن يحدث فِيهَا من ضوء الْعقل مجردات تِلْكَ الصُّور من الشوائب فَأول مَا يتَمَيَّز عِنْد الْعقل الإنساني أَمر الذاتي مِنْهَا والعرضي وَمَا بِهِ يتشابه بِهِ وَمَا بِهِ يخْتَلف فَتَصِير الْمعَانِي معنى وَاحِدًا فِي ذَات الْعقل بِالْقِيَاسِ إِلَى التشابه لكنه بِالْقِيَاسِ إِلَى مَا تخْتَلف بِهِ تصير مَعَاني كَثِيرَة فَيكون لِلْعَقْلِ قُوَّة على تَكْثِير الْوَاحِد من الْمعَانِي وعَلى تَوْحِيد الْكثير أما تَوْحِيد الْكثير فَمن وَجْهَيْن

أَحدهمَا أَن تصير الْمعَانِي الْكَثِيرَة الْمُخْتَلفَة فِي التخيلات بِالْعدَدِ إِذا كَانَت لَا تخْتَلف فِي الْحَد معنى وَاحِدًا

وَالثَّانِي أَن تركب من مَعَاني الْأَجْنَاس والفصول معنى وَاحِدًا بِالْحَدِّ وَيكون وَجه التكثير بعكس هذَيْن الْوَجْهَيْنِ فَهَذَا من خَواص الْعقل الانساني وَلَيْسَ ذَلِك لغيره من القوى فانها تدْرك الْكثير كثيرا كَمَا هُوَ وَالْوَاحد وَاحِدًا كَمَا هُوَ وَلَا يُمكنهَا أَن تدْرك الْوَاحِد الْبَسِيط بل الْوَاحِد من حَيْثُ هُوَ جملَة مركبة من أُمُور واعراضها وَلَا يُمكنهَا ان تفصل العرضيات وتنزعها عَن الذاتيات فاذا عرض الْحس على الخيال صُورَة وَعرض الخيال على الْعقل تِلْكَ الصُّورَة يَأْخُذ الْعقل معنى فان عرض عَلَيْهِ صُورَة أُخْرَى من ذَلِك النَّوْع وانما هُوَ آخر بِالْعدَدِ لم يَأْخُذ مِنْهُ الْعقل صُورَة مَا غير مَا أَخذه أَولا إِلَّا من جِهَة الْعرض الَّذِي يخص هَذَا من حَيْثُ ذَلِك الْعرض بِأَن يَأْخُذهُ مرّة مُجَردا وَمرَّة مَعَ ذَلِك الْعرض وَلأَجل هَذَا يُقَال إِن زيدا وعمرا لَهما معنى وَاحِد فِي الانسانية اعني ان السَّابِق مِنْهُمَا إِذا أَفَادَ النَّفس صُورَة الانسانية فان الثَّانِي لَا يُفِيد الْبَتَّةَ شَيْئا من ذَلِك الْمَعْنى بل يكون الْمَعْنى المنطبع مِنْهُمَا فِي النَّفس وَاحِدًا هُوَ عَن

<<  <   >  >>