للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَنَقُول يجب أَن يعلم أَن لكل قُوَّة نفسانية لَذَّة وَخيرا يَخُصهَا وأذى وشرا يَخُصهَا مِثَاله أَن لَذَّة الشَّهَوَات أَن يتَأَدَّى اليها من محسوساتها كَيْفيَّة ملائمة من الْحس وَكَذَلِكَ لَذَّة الْغَضَب الظفر وَلَذَّة الْوَهم الرَّجَاء وَلَذَّة الْحِفْظ تذكر الْأُمُور الْمَاضِيَة الموفقة وأذى كل وَاحِد مِنْهَا مَا يضاده وتشترك كلهَا نوعا من الشّركَة فِي أَن الشُّعُور بموافقها وملائمها هُوَ الْخَيْر واللذة الْحَاصِلَة بهَا وموافق كل وَاحِد مِنْهَا بِالذَّاتِ والحقيقة هُوَ حُصُول الْكَمَال الَّذِي هُوَ بِالْقِيَاسِ اليه كَمَال بِالْفِعْلِ فَهَذَا أصل وَأَيْضًا فَإِن هَذِه القوى وان اشتركت فِي هَذِه الْمعَانِي فَإِن مراتبها فِي الْحَقِيقَة مُخْتَلفَة فَالَّذِي كَمَاله أفضل وَأتم وأدوم وأوصل اليه وأحصل لَهُ وَالَّذِي هُوَ فِي نَفسه أَشد إدراكا كَانَت اللَّذَّة الَّتِي لَهُ أبلغ وأوفر وَهَذَا أصل وَقد يكون الْخُرُوج إِلَى الْفِعْل فِي كَمَال بِحَيْثُ يعلم أَنه كَائِن لزيد وَلَا يشْعر باللذة مالم يحصل لَهُ ومالم يشْعر بِهِ لم ينْزع نَحوه مثل الْعنين فانه مُتَحَقق أَن الْجِمَاع لذيذ وَلَكِن لَا يشتهيه وَلَا يحن اليه الاشتهاء والحنين اللَّذين يكونَانِ مخصوصين بِهِ بل شَهْوَة أُخْرَى كَمَا يَشْتَهِي من يجرب شَهْوَة من حَيْثُ يحصل بهَا إِدْرَاك وَإِن كَانَ مُؤْذِيًا وَكَذَلِكَ حَال الأكمه عِنْد الصُّور الجمالية والأصم عِنْد الألحان المنتظمة الرخيمة وَلِهَذَا يجب أَن لَا يتَوَهَّم الْعَاقِل أَن كل لَذَّة فَهُوَ كَمَا للحمار فِي بَطْنه وفرجه وَأَن المباديء الأول المقربة عِنْد رب الْعَالمين عادمة للذة وَالْغِبْطَة

وان رب الْعَالمين لَيْسَ فِي سُلْطَانه وخاصيته الْبَهَاء الَّذِي لَهُ وقوته الْغَيْر المتناهية أَمر فِي غَايَة الْفَضِيلَة والشرف وَالطّيب نجله عَن أَن نُسَمِّيه لَذَّة فَأَي نِسْبَة يكون لذَلِك مَعَ هَذِه الحسية وَنحن نَعْرِف ذَلِك يَقِينا وَلَكِن لَا نشعر بِهِ لفقداننا تِلْكَ الْحَالة فَيكون حَالنَا حَال الْأَصَم والأكمه وَهَذَا أصل وَأَيْضًا فَإِن الْكَمَال وَالْأَمر الملائم قد يَتَيَسَّر للقوة الدراكة وَهُنَاكَ مَانع أَو شاغل للنَّفس فيكرهه ويؤثر ضِدّه عَلَيْهِ مثل كَرَاهِيَة الْمَرِيض للعسل وشهوته للطعوم الردية الكريهة بِالذَّاتِ وَرُبمَا لم يكن كَرَاهِيَة وَلَكِن عدم الاستلذاذ بِهِ

<<  <   >  >>