للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كَيفَ تعرف حَتَّى لَا يلْحقهَا تكْثر وَتغَير بِوَجْه من الْوُجُوه وَكَيف ترتبت نِسْبَة الْوُجُود اليه جلّ وَعلا ثمَّ كلما ازْدَادَ النَّاظر استبصارا ازْدَادَ للسعادة اسْتِعْدَادًا وَكَأَنَّهُ لَيْسَ يتبرأ الانسان عَن هَذَا الْعَالم وعلائقه إِلَّا أَن يكون أكد العلاقة مَعَ ذَلِك الْعَالم فَصَارَ لَهُ شوق الى ماهناك وعشق لما هُنَاكَ يصده عَن الِالْتِفَات الى مَا خَلفه جملَة

ونقول أَيْضا إِن هَذِه السَّعَادَة الْحَقِيقِيَّة لَا تتمّ إِلَّا بإصلاح الْجُزْء العملي من النَّفس فاليه يصعد الْكَلم الطّيب وَالْعَمَل الصَّالح يرفعهُ ونقدم لذَلِك مُقَدّمَة فَنَقُول إِن الْخلق هُوَ ملكة يصدر بهَا عَن النَّفس أَفعَال مَا بسهولة من غير تقدم روية والخلق الْمَحْمُود هُوَ الْوسط بَين الطَّرفَيْنِ المذمومين فكلا طرفِي قصد الْأُمُور ذميم وَقد شرحنا ذَلِك أتم شرح فِيمَا سبق وَجُمْلَته أَن لَا تحكم العلاقة مَعَ القوى الْبَدَنِيَّة قصدا بل يكون لِلْعَقْلِ العملي يَد الِاسْتِيلَاء وللقوة الحيوانية الأنقياد والمطاوعة

فالعقل يَنْبَغِي أَن يتأثر عَن القوى الحيوانية بل يُؤثر والقوى الحيوانية يَنْبَغِي أَن تتأثر وَلَا تُؤثر فاذا كَانَ كَذَلِك فَتكون النَّفس على جبلتها مَعَ إِفَادَة هَيْئَة الاستعلاء والتنزه وَذَلِكَ غير مضاد لجوهره وَلَا مائل بِهِ إِلَى جِهَة الْبدن ثمَّ النَّفس إِنَّمَا كَانَ الْبدن يغمره ويلهيه ويغفله عَن الشوق الَّذِي يَخُصُّهُ وَعَن طلب الْكَمَال الَّذِي لَهُ وَعَن الشُّعُور بلذة الْكَمَال إِن حصل لَهُ أَو الشُّعُور بألم فقد الْكَمَال إِن قصر عَنهُ لَا بِأَن النَّفس منطبعة فِيهِ أَو منغمسة فِيهِ لَكِن للعلاقة الَّتِي بَينهمَا وَهُوَ الشوق الْجبلي الى تَدْبيره والاشتغال بآثاره وَمَا يُورِدهُ عَلَيْهِ من عوارضه فاذا فَارق وَفِيه ملكة الِاتِّصَال بِهِ وَكَانَ قريب الشّبَه من حَاله وَهُوَ فِيهِ فبقدر مَا ينقص من ذَلِك يَزُول عَنهُ غفلته عَن حَرَكَة الشوق الَّذِي لَهُ إِلَى كَمَاله وبقدر مَا يبْقى مِنْهُ يصده عَن الِاتِّصَال الصّرْف بِمحل سعادته وَيحدث هُنَاكَ من الحركات المشوشة مَا يعظم أَذَاهُ

ثمَّ تِلْكَ الْهَيْئَة الْبَدَنِيَّة مضادة لجوهره مؤذية لَهُ وانما كَانَ يلهيه عَنهُ الْبدن

<<  <   >  >>