للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأجفان يمْنَع من تَمام الْكَشْف بِالرُّؤْيَةِ وَيكون حِجَابا بَين الْبَصَر والمرئي وَلَا بُد من ارْتِفَاع الْحجاب لحُصُول الرُّؤْيَة وَمَا لم يرْتَفع كَانَ الادراك الْحَاصِل مُجَرّد التخيل فَكَذَلِك مُقْتَضى سنة الله تَعَالَى أَن النَّفس مَا دَامَت محجوبة بعوارض الْبدن وَمُقْتَضى الشَّهَوَات وَمَا غلب عَلَيْهَا من الصِّفَات البشرية فانها لَا تَنْتَهِي إِلَى الْمُشَاهدَة واللقاء فِي المعلومات الخارجية عَن الخيال بل هَذِه الْحَيَاة حجاب لَهَا مَانع عَنْهَا بِالضَّرُورَةِ كحجاب الأجفان عَن رُؤْيَة الْأَبْصَار

وَلذَلِك قَالَ الله تَعَالَى لمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام {لن تراني} وَقَالَ تَعَالَى {لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار} أَي فِي الدُّنْيَا فاذا ارْتَفع الْحجاب بِالْمَوْتِ بقيت النَّفس ملوثة بكدورات الدُّنْيَا غير منفكة عَنْهَا بِالْكُلِّيَّةِ وان كَانَت مُتَفَاوِتَة فِي ذَلِك التلوث فَمِنْهَا مَا تراكم عَلَيْهَا الْخبث والصدأ فَصَارَت كالمرآة الَّتِي قد فسد بطول تراكم الْخبث جوهرها وَلَا تقبل الاصلاح والتصقيل وَهَؤُلَاء هم المحجوبون عَن رَبهم أبدالأباد نَعُوذ بِاللَّه مِنْهُ

وَمِنْهَا مَا لم ينْتَه إِلَى حد الرين والطبع وَلم يخرج عَن قبُول التَّزْكِيَة والتصقيل فَيعرض على النَّار عرضا يقْلع مِنْهُ الْخبث الَّذِي هُوَ متدنس بِهِ وَيكون عرضه على النَّار بِقدر الْحَاجة إِلَى التَّزْكِيَة وأقلها لَحْظَة خَفِيفَة وأقصاها فِي حق الْمُؤمنِينَ كَمَا ورد فِي الْخَبَر سَبْعَة آلَاف سنة وَلنْ يرتحل نفس من هَذَا الْعَالم إِلَّا ويصحبها غبرة وكدورة مَا وَإِن قلت

وَلذَلِك قَالَ تَعَالَى {وَإِن مِنْكُم إِلَّا واردها كَانَ على رَبك حتما مقضيا} أللهم إِلَّا نفوسا قد انغمست فِي تَأمل الجبروت وانخرطوا فِي سلك الْقُدس مستديمين لشروق نور الْحق فِي أسرارهم على الدَّوَام فَهَؤُلَاءِ مبدؤهم ومعادهم سَوَاء فان من النُّفُوس الانسانية وعقولها مَا هُوَ نفس مفطورة على التجرد والتقدس

<<  <   >  >>