للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَاعْلَم أَن هَذَا الاحتقار للذة الْمعرفَة مصدره الْخُلُو عَن الْمعرفَة فَمن خلا عَن الْمعرفَة كَيفَ يدْرك لذتها وان انطوى على معرفَة ضَعِيفَة وقلب مشحون بعلائق الدُّنْيَا فَكيف لذتها فللعارفين فِي معرفتهم وفكرتهم ولطائف مناجاتهم لله تَعَالَى لذات لَو عرضت عَلَيْهِم الْجنَّة فِي الدُّنْيَا بَدَلا عَنْهَا لم يستبدلوا بهَا الْجنَّة

ثمَّ هَذِه اللَّذَّة مَعَ كمالها لَا نِسْبَة لَهَا أصلا إِلَى لَذَّة اللِّقَاء والمشاهدة كَمَا لَا نِسْبَة للذة خيال المعشوق إِلَى رُؤْيَته واظهار عظم التَّفَاوُت بَينهمَا لَا يُمكن الا بِضَرْب مِثَال فَنَقُول

لَذَّة النّظر إِلَى وَجه المعشوق فِي الدُّنْيَا تَتَفَاوَت بِأَسْبَاب أَحدهَا كَمَال جمال المعشوق ونقصانه وَالثَّانِي كَمَال قُوَّة الْحبّ وَالثَّالِث كَمَال الادراك وَالرَّابِع اندفاع الْعَوَائِق المشوشة والآلام الشاغلة للقلب فَقدر عَاشِقًا ضَعِيف الْعِشْق ينظر إِلَى وَجه معشوقه من وَرَاء ستر رَقِيق على بعد بِحَيْثُ يمْنَع انكشاف كنه صورته فِي حَالَة اجْتمع عَلَيْهِ عقارب وزنانير تؤذيه وتلدغه وتشغل قلبه فَهُوَ فِي هَذِه الْحَالة لَا يَخْلُو عَن لَذَّة مَا من مُشَاهدَة جمال معشوقه فَلَو طرأت على الْفجأَة حَالَة انهتك بهَا السّتْر واشرق بِهِ الضَّوْء واندفع عَنهُ المؤذيات وَبَقِي سليما فَارغًا وهجم عَلَيْهِ الشَّهْوَة القوية المفرطة والعشق المفرط حَتَّى بلغ أقْصَى الغايات فَانْظُر كَيفَ تتضاعف اللَّذَّة حَتَّى لَا يبْقى للأولى إِلَيْهِ نِسْبَة يعْتد بهَا فَكَذَلِك فَافْهَم نِسْبَة لَذَّة النّظر إِلَى لَذَّة الْمعرفَة فالستر الرَّقِيق مِثَال للبدن والاشتغال بِهِ والعقارب والزنابير مِثَال للشهوات المتسلطة على الانسان من الْجُوع والعطش وَالْغَضَب وَالْغَم والحزن وَضعف الشَّهْوَة وَالْحب مِثَال لقُصُور النَّفس فِي الدُّنْيَا ونقصانها عَن الشوق إِلَى الْمَلأ الْأَعْلَى والتفاته إِلَى أَسْفَل السافلين وَهُوَ مثل قُصُور الصَّبِي عَن مُلَاحظَة لَذَّة الرِّئَاسَة والعكوف على اللّعب بالعصفور فالعارف وَإِن قويت فِي الدُّنْيَا مَعْرفَته فَلَا يَخْلُو عَن هَذِه الشَّهَوَات وَلَا يتَصَوَّر أَن يَخْلُو عَنْهَا الْبَتَّةَ نعم قد تضعف هَذِه الْعَوَائِق فِي بعض الْأَحْوَال وَلَا تدوم فَلَا

<<  <   >  >>