ذَلِك وَلَا أكبر لِأَنَّهُ يعلم ذَاته فَيَنْبَغِي أَن يُعلمهُ على مَا هُوَ عَلَيْهِ لِأَن ذَاته مُجَرّد لذاته وذاته مبدأ ومبدع لجَمِيع الموجودات وَهُوَ فياض يفِيض الْوُجُود على الْكل فَيعلم مَا يوجده وَيتبع ذَاته وَكَثْرَة الْعُلُوم المتعددة لَا تُؤدِّي إِلَى كَثْرَة فِي ذَاته لِأَن علمه لَا يبتني على تَقْدِيم الْمُقدمَات وإجالة الْفِكر وَالنَّظَر وذاته فياضة للعلوم على الْخلق لَا أَنه يكْتَسب من الْخلق علما فَعلمه سَبَب الْوُجُود لَا الْوُجُود سَبَب علمه وَعِنْده مَفَاتِيح الْغَيْب لَا يعلمهَا إِلَّا هُوَ وَهُوَ كَمَا يعلم الْأَجْنَاس والأنواع يعلم الممكنات الْحَادِثَة وان كُنَّا نَحن لَا نعلمها لِأَن الْمُمكن مَا دَامَ يعرف مُمكنا يَسْتَحِيل أَن يعلم وُقُوعه أَو لَا وُقُوعه لِأَنَّهُ انما يعلم مِنْهُ وصف الامكان وَمَعْنَاهُ أَنه يُمكن أَن يكون وَيُمكن أَن لَا يكون وَلَكِن كل مُمكن بِنَفسِهِ فَهُوَ وَاجِب بِسَبَبِهِ فَإِن علم وجود سَببه كَانَ وجوده وَاجِبا فَلَو اطَّلَعْنَا على جَمِيع أَسبَاب شَيْء وَاحِد وَعلمنَا وجودهَا قَطعنَا بِوُجُود ذَلِك الشَّيْء
وَالْأول الْحق يعلم الْحَوَادِث وأسبابها لِأَن الْكل يرتقي اليه فِي سلسلة الترقي فَلَمَّا كَانَ عَالما بترتيب الْأَسْبَاب كَانَ عَالما بِالْكُلِّ اسبابها ونتائجها فنزه علمه من الْحس والخيال والتكثر والتغير ثمَّ بعد ذَلِك فَافْهَم علمه فاذا فهمت علمه فَاعْلَم أَنه مُرِيد وَله إِرَادَة وعناية وَلَكِن إِرَادَته وعنايته لَا تزيد على ذَاته وَبَيَانه أَنه مُرِيد لِأَن الْفَاعِل إِمَّا أَن يكون بالطبع وَتَعَالَى عَنهُ أَو بالارادة والطبع هُوَ الْفِعْل الْخَالِي عَن الْعلم بالمفعول بل بدخل الافعال الطبيعية فِي الْوُجُود على سَبِيل التسخير وَالْفَاعِل بالارادة هوالذي لَهُ الْعلم بمفعولاته فاذا هُوَ عَالم بمفعولاته ومخلوقاته وَهُوَ رَاض بِهِ غير كَارِه فَيجوز أَن يعبر عَن هَذَا بالارادة
وعَلى الْجُمْلَة فتخصيص الْأَفْعَال وتميزها بَعْضهَا عَن بعض دَلِيل على وجود الارادة وعنايته هُوَ تصور نظام الْكل وَكَيْفِيَّة معلولاته على الْوَجْه الْأَحْسَن الأبلغ فِي النظام وَلَيْسَ لَهُ ميل وغرض يحملهُ على مَا يُريدهُ فَلَيْسَ شَيْء أولى بِهِ وَلَا يفعل ليخلص عَن مذمة أَو يطْلب محمدة